للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ رجل لبَعض السلاطين: أَسأَلك بِالَّذِي أَنْت بَين يَدَيْهِ أذلّ مني بَين يَديك، وَهُوَ على عقابك أقدر مِنْك على عقابي، إِلَّا نظرت فِي أَمْرِي نظر من يرى برئي أحب إِلَيْهِ من سقمي وبراءتي أحب إِلَيْهِ من جُرْمِي. ابْن المقفع: لَا يَنْبَغِي للْملك أَن يغْضب؛ لِأَن الْقُدْرَة من وَرَاء حَاجته. وَلَا يكذب؛ فَإِنَّهُ لَا يقدر أحد على استكراهه على غير مَا يُرِيد، وَلَا يبخل فَإِنَّهُ يخَاف الْفقر، وَلَا يحقد لِأَن خطره قد جلّ عَن المجازاة. قَالَ أَبُو حَازِم: للسُّلْطَان كحل يكحل بِهِ من يوليه، فَلَا يبصر حَتَّى يعْزل. حُكيَ عَن بَعضهم أَنه قَالَ: حَاجِب السُّلْطَان نصفه، وكاتبه كُله. وَيَنْبَغِي لصَاحب الشرطة أَن يُطِيل الْجُلُوس، ويديم العبوس، ويستخف بالشفاعات. ابنلي بعض الْمُلُوك بصمم فَقَالَ: لَئِن كنت أصبت بسمعي، فَلَقَد متعت ببصري. ثمَّ نَادَى مناديه: من ظلم فليلبس ثوبا مصبوغاً وليقم حَيْثُ أرَاهُ فأدعو بِهِ وَأنْظر فِي أمره. كَانَ يُقَال، إِن الْمُلُوك من الْفرس وَغَيرهم كَانُوا يهنئون بالعافية، وَلَا يعادون من الْعلَّة؛ لِأَن عللهم كَانَت تستر نظرا وإبقاء عَلَيْهِم، وَلَا يعلمهَا إِلَّا خواصهم. وَكَانَت عافيتهم تشتهر؛ لما للنَّاس من الصّلاح بهَا، ودوام الألفة، واستقامة الْأُمُور عَنْهَا. قَالَ بَعضهم: إِذا صَحِبت السُّلْطَان فلتكن مداراتك مداراة الْمَرْأَة القبيحة للزَّوْج الْمُبْغض لَهَا؛ فَإِنَّهَا لَا تدع التصنع لَهُ بِكُل حِيلَة. قَالَ فيلسوف: إِذا قربك السُّلْطَان فَكُن مِنْهُ على حد السنان، وَإِن استرسل إِلَيْك فَلَا تأمن انقلابه عَلَيْك، وارفق بِهِ رفقك بِالصَّبِيِّ، وَكَلمه بِمَا يَشْتَهِي. وَدخل يزِيد بن عمر بن هُبَيْرَة على الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ توسع توسعاً قرشياً، وَلَا تضق ٤٣٧ ضيقا حجازياً. وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن سلطانكم حَدِيث، وإمارتكم جَدِيدَة، فأذيقوا النَّاس حلاوة عدلها، وجنبوهم مرَارَة جورها، فوَاللَّه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لقد مخضت لَك. ثمَّ نَهَضَ فَنَهَضَ مَعَه تِسْعمائَة من قيس، فأتأره الْمَنْصُور بَصَره ثمَّ قَالَ: لَا يعز ملك فِيهِ مثل هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>