للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: عدل السُّلْطَان أَنْفَع للرعية من خصب الزَّمَان. كَانَ الْفضل بن الرّبيع يَقُول: مساءلة الْمُلُوك عَن أَحْوَالهم من كَلَام النوكى فَإِذا أردْت أَن تَقول: كَيفَ أصبح الْأَمِير؟ فَقل: صبح الله الْأَمِير بالكرامة. وَإِن أردْت أَن تَقول كَيفَ يجد الْأَمِير نَفسه؟ فَقل: وهب الله الْأَمِير الْعَافِيَة وَنَحْو هَذِه الْأَشْيَاء فَإِن المساءلة توجب الْجَواب فَإِن لم يجبك اشْتَدَّ عَلَيْك وَإِن جابك اشْتَدَّ عَلَيْهِ. قيل لِابْنِ عَبَّاس: إِن النَّاس قد فسدوا وَلَا يصلحهم إِلَّا الشَّرّ. قَالَ: بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ للجور أشب للشر، وَالْعدْل أطفأ للجور. وَفِي الْعدْل كِفَايَة، وَإِلَيْهِ انْتَهَت السياسة. وَقد يُصِيب الْوَالِي فِي رَعيته بِأَرْبَع من نَفسه وَأَرْبع من أنفسهم؛ فَأَما الْأَرْبَع اللواتي مِنْهُم فالرغبة والرهبة وَالْأَمَانَة والنصيحة. وَأما الْأَرْبَع اللواتي من نَفسه فإعطاء من نصحه، وَالْجَزَاء لمن أبلاه، وعقوبة ذِي الذَّنب بِقدر ذَنبه، والتنكيل بِمن تعدى أمره. فَإِن هُوَ لم يفعل ذَلِك وتراخى ابتلى مِنْهُم بِأَرْبَع: بالغش والخذلان والخيانة والنكد. قيل: ليعلم من نَالَ شرف الْمنزلَة من السُّلْطَان وَهُوَ دني الأَصْل أَنه ثأر الْأَشْرَاف، وَأَنه لَا نجاة لَهُ مِنْهُم إِلَّا أَن يعمرهم بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِم. إِذا كَانَ الْملك ضَعِيفا، والوزير شَرها، وَالْقَاضِي كذوباً فرقوا الْملك شعاعاً. ملك عسوف أجدى على الرّعية من ملك مقتصد السِّيرَة ضَعِيف؛ لِأَن العسوف الْقوي قد يدْفع عَن الْبَيْضَة بقوته، وَمَعَهُ أَنَفَة يحمي بهَا حوزته، والضعيف لَا يستقصي حقة، وَلَا يَأْخُذ حُقُوق رَعيته، وَلَا قُوَّة بِهِ على دفع عدوه وعدوهم. إِذا قنع الْملك بإفساد دينه لم تقنع رَعيته إِلَّا بِإِزَالَة ملكه. ظلم الرّعية استجلاب البلية. أحزم الْمُلُوك من ملك جده هزله، وقهر رَأْيه هَوَاهُ، وَعبر عَن ضَمِيره فعله، وَلم يخدعه رِضَاهُ عَن حَظه، وَلَا غَضَبه عَن كَيده.

<<  <  ج: ص:  >  >>