للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشهودُ أعلمُ بِمَا قَالُوا: وَإِنَّمَا عبيدٌ أبٌ مبْرورٌ أَو والدٌ مشكور. ثمَّ نزل. وَقَالَ الشّعبِيّ: قَدم زيادٌ الكوفةَ فدنوْتُ من الْمِنْبَر لأسمعَ كلامَه فَلم أرَ أحدا يتكلمُ فيُحسن إِلَّا تمنيت أنْ يسكتَ مخافةَ أَن يُسيءَ غيرَ زِيَاد، فإنَّه كَانَ لَا يزدَادُ إكثاراً إِلَّا ازدادَ إحساناً. فَقَالَ بعد أَن حمدَ الله: إِن هَذَا الأمرَ أَتَانِي وَأَنا بِالْبَصْرَةِ، فأردتُ أَن أخُرجَ إِلَيْكُم فِي أَلفَيْنِ مِنْ شُرطِها. ثمَّ ذكرتُ أَنكُمْ أهلُ حقٍّ، وَأَن الحقّ طالما دَفعَ الباطلَ. فخرجتْ إِلَيْكُم أهل بَيْتِي. فَالْحَمْد لله الَّذِي رفع منَّا مَا وضع الناسُ، وَحفظ منا مَا ضيعوا. أَيهَا النَّاس: إِنَّا سُسنا وساسَنا السائسون، وجَرَّبْنا، وجربَنا المجَرِّبون، فَوَجَدنَا هَذَا الأمرَ لَا يُصلحُنه إِلَى شدّة من غير عُنف، ولينٌ فِي غير ضعف، فَلَا أعلمَنَّ أنَّا أغلقْنا بَابا ففتحتُموه، وَلَا حللْنا عَقْدا فشدَدتُموه. وَإِنِّي لَا أعدُكم خيرا وَلَا شرا إِلَّا وفيتُ بِهِ، فَإِذا تعلقتُم على بكذبة فَلَا ولَايَة لي عَلَيْكُم. وَإِنِّي آمُرُكم بِمَا آمُرُ بِهِ نَفسِي وَأَهلي فمَنْ حَال دون أَمْرِي ضربتُ عُنُقه. أَلا وَأَنِّي لَا أهْتكُ لأحد مِنْكُم سِتْراً، وَلَا أطلع منْ وَرَاء بَاب، وَلَا أقيلُ أحدا مِنْكُم عَثْرةً. قَالَ: فحَصبْوه من كل جَانب فجلَس على الْمِنْبَر حَتَّى سكتُوا وأمسكوا ثُم نَادَى الشَّرْط، فَأخذُوا بِأَبْوَاب الْمَسْجِد، وَألقى كُرسياً على بعض الْأَبْوَاب ثمَّ عَرضَ الناسَ أَرْبَعَة أَرْبَعَة يستحلفهُم، فَمن حلف أَنه لم يحصبه تَركه، وَمن أَبى حبَسَه. قَالَ: فَقطع يَوْمئِذٍ أَيدي ثَمَانِينَ إنْسَانا ممنْ لم يحلف. فَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: أوعدَ عمرُ بنُ الْخطاب فُعوفي وأوعدَ زيادٌ فابتُلي وَقَالَ أَيْضا: تشبه زيادٌ بعمرَ فأفْرط، وتشبه الْحجَّاج بِزِيَاد فأهْلك الناسَ. قَالَ زيادٌ لِابْنِهِ: إِذا دخلْتَ على السُّلْطان فادعُ لَهُ، ثمَّ اصفح عَنهُ صفْحاً جميلاً. وَلَا يَرينَّ فِيك تهالُكاً عَلَيْهِ وَلَا انقباضاً مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>