للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَتى تجمع الْقلب الذكي وصارماً ... وأنْفاً حميا تجتنْبك المظالمُ أما وَالله لَا تقْرعُ عَصاً عَصا إِلَّا جعلتُها كأمس الذَّاهب. قَالَ مالكُ بن دِينَار: رُبَّما سَمِعت الْحجَّاج يذكُر مَا صنع بِهِ أهلُ الْعرَاق، وَمَا صنَع بهم، فيقعُ فِي نَفسِي أَنه يظْلمُونه لبيانه، وَحسن تخلُّصه للحُجَج. وخطبَ الْحجَّاج مرّة فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَرِنِي الغي غياً فأجتنبَه، وَأَرِنِي الهُدي هدى فَأتبعهُ، وَلَا تكلْني إِلَى نفْسي فأضل ضلالا بَعيدا. وَالله مَا أحب أَن مَا مضى من الدُّنْيَا بعمامتي هَذِه، وَلما بَقِي مِنْهَا أشْبهُ بِمَا مضى من المَاء بِالْمَاءِ وخطب بعد دَير الجَماجم فَقَالَ: يَا أهل الْعرَاق. إِن الشَّيْطَان قد استبطنكم فخالط. اللحمَ والدمَ والعصب والمسامع، والأطراف، والأعضاء، والشغاف، ثمَّ أفْضى إِلَى الأمخاخ والأصْماخ، ثمَّ ارْتَفع فعَشش، ثمَّ باض ففرخ، فحشاكم نفَاقًا وشقاقاً، وأشعركم خِلَافه. اتخذتموهُ دَلِيلا تتبعُونه، وَقَائِدًا تُطيعونه، ومؤآمِراً تستشيرونه. فَكيف تنفعكُم تجربةٌ، أَو تعظكم وقعةٌ، أَو يحجزُكم إسلامٌ، أَو ينفعكم بَيَان؟ ألستُم أَصْحَابِي بالأهواز حَيْثُ رُمتم المكَر، وسعيتُم بالغدر، واستجمعتُم للكُفْر. وظننْتُم أَن الله يخذُلُ دينه وخلافته، وَأَنا أرمْيكُم بطرْفي، وَأَنْتُم تتسللُون لوَاذاً، وتنهزمون سِرَاعاً؟ ثمَّ يَوْم الزاوية، وَمَا يومُ الزّاوية {} بهَا كَانَ فشَلكم وتنازعكُمُ وتخاذُلكم وتجادُلكم، وبراءةُ الله مِنْكُم، ونكوص وَلِيكُم عَنْكُم، إذْ وليتُم كَالْإِبِلِ الشوارد إِلَى أوطانها، النوازع إِلَى أعطانها. لَا يسألُ المرءُ عَن أَخِيه، وَلَا يلوي الشيخُ على بَنيه، حِين عضكم السلاحُ، ووقصتْكم الرِّماحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>