للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ دَير الجماجم، وَمَا ديُر الجمَاجم {} بهَا كَانَت المعارك والملاحمُ، بِضَرْب يُزيلُ الْهَام عَن مَقيله، ويْذْهل الْخَيل عَن خَلِيله. يَا أهل الْعرَاق. الكَفَرات بعد الفَجرات، والغَدرات بعد الخَتَرات، والنزْوة بعد النزوات {} إنْ بعثتكُم إِلَى ثُغوركم غلْلُتم وجَبْنتم، وَإِن أمنْتُم أرْجفْتم، وإنْ خِفْتُمْ نافقْتُم لَا تتذكرون حَسَنَة، وَلَا تشكرون نعْمَة. هَل استخفّكُم ناكثٌ أَو استغواكم غاو؟ أَو استفزكم عَاص، أَو استَنْصركم ظَالِم، أَو استعْضَدَ بكم خَالع إِلَّا تبعتُموه، وآويتموه ونصرتموه وزكّيتموه؟ يَا أهلَ الْعرَاق، هَل شغَبَ شاغب، أَو نعب ناعبٌ، أَو زفر كاذبٌ إِلَّا كنتُم أتباعَه وأنْصَاره؟ يَا أهل العراقِ، أَو لم تنهكُم المواعظُ، وَلم تزْجركم الوقائعُ؟ ثمَّ الْتفت إِلَى أهلِ الشَّام فَقَالَ: يَا أهل الشَّام: إِنَّمَا أَنا لكم كالظَّليم الرامح عَن فِراخه ينْفي عَنْهَا القَذَرَ، ويباعد عَنْهَا الحجرَ، ويَكنُّها من الْمَطَر ويحميها من الضِّباب، ويحرسُها من الذِّئاب. يَا أهل الشَّام، أنتُم الجُنة والرِّداء، وَأَنْتُم العُدّة والحذاءُ. هَذِه خطْبَة أُخْرَى قَالَ مالكُ بنُ دِينَار: غدَوتُ إِلَى الْجُمُعَة، فَجَلَست قَرِيبا من الْمِنْبَر، فصَعد الحجاجُ ثمَّ قَالَ: امْرُؤ زوَّر عملهُ، وامُرؤ حاسب نفْسَه، امْرُؤ فكر فِيمَا يَقْرَؤُهُ غَدا فِي صَحيفته، وَيَرَاهُ فِي مِيزَانه. امُرؤُ كَانَ عِنْد قلبه زاجرٌ، وَعند همه أمرٌ، أخذٌ بعنان قلبه كَمَا يأْخُذُ الرجل بخِطام. جَمَله، فَإِن قادهُ إِلَى طَاعَة الله تبعه، وَإِن قادَهُ إِلَى مَعْصِيّة الله كَفه. وَكَانَ يَقُول: إِنَّا وَالله مَا خُلقنا للفناء، وَإِنَّمَا خُلقنا للبقاء، وَلَكِن نُنقل من دَار إِلَى دَار. وخطب يَوْمًا فَقَالَ إِن الله أمَرنا بِطَلَب الْآخِرَة. وكفانا مئُونة الدُّنْيَا، فليتنا كُفينا مُونة الْآخِرَة، وأمِرْنا بِطَلَب الدُّنْيَا. فَقَالَ حسن: ضَالَّة الْمُؤمن خرجت من قلب الْمُنَافِق.

<<  <  ج: ص:  >  >>