للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْمُهلب لِبَنِيهِ: يَا بني، إِذا غَدا عَلَيْكُم الرجل، ولاحَ مُسلِّما، فَكفى بذلك تقاضيا. وَقيل لَهُ: أيُّ الْمجَالِس خيرٌ؟ قَالَ: مَا بَعُدَ فِيهِ مَدَى الطرْف، وَكثر فِيهِ فَائِدَة الجليس. قَالَ الْمُهلب: الْعَيْش كلُّه فِي الجليس المُمتع. وَقَالَ يزيدُ بن الْمُهلب: مَا يسرُّني أَنِّي كفيت أمَر الدُّنيا. قيل مُهَاجِرين: وَلم؟ قَالَ: أكره عَادَة العَجْز. وَقَالَ المهلبُ لبنية: إِذا وليتُم فلينُوا للمُحْسن، واشتدُّوا على المُريب، فَإِن الناسَ للسُّلطان أهيبُ مِنْهُم لِلْقُرْآنِ. وَكَانَ يَقُول: أدْنى أَخْلَاق الشريف كتمانُ السِّر، وأعْلى أخلاقه نسيّانُ مَا أسر إِلَيْهِ. وَلما اسْتخلف ابْنه الْمُغيرَة على حَرْب الْخَوَارِج، وَعَاد هُو إِلَى مُصْعب بن الزبير جمعَ الناسَ فَقَالَ لَهُم: إنِّي قد استخلفتُ عَلَيْكُم الْمُغيرَة، وهُو أَبُو صغيركم رقةً وَرَحْمَة، وابنُ كبيركم طَاعَة وَبرا وتبجيلا، وأخُو مثله مواساة ومناصحة. فلتحُسن لَهُ طاعتُكم، ولْيِلن لَهُ جانبكُم، فوَاللَّه مَا أردتُ صَوَابا قطُّ إِلَى سَبقني إِلَيْهِ. وَكَانَ الحجاجُ كتب إِلَيْهِ وَهُوَ فِي وَجْه الْخَوَارِج: أما بعدُ فَإِنَّهُ بَلغنِي أَنَّك قد أَقبلت عَلى جبَاية الْخراج، وَتركت قتال العدُوِّ. وَإِنِّي ولَّيْتُك وَأَنا أرى مَكَان عبد الله بن حكيمٍ الْمُجَاشِعِي، وَعباد بن حصَين الحَبطي، واخترتُك وَأَنت من أهل عمان، ثمَّ رجل من الأزد. فالْقهُم يَوْم كَذَا فِي مَكَان كَذَا وَإِلَّا أشرعتُ إِلَيْك صَدْر الرماح فشاورَ بنيهِ، فَقَالُوا: إِنَّه أميرٌ فَلَا تغْلْظ عَلَيْهِ فِي الْجَواب. فَأَجَابَهُ المهلبُ: وردَ علىَّ كتابُك، تزعُم أَنِّي أقبلتُ على جباية الْخراج، وتركتُ قتال العدُو. ومَن عجز عَن جبايةِ الْخراج فهُو عَن قتال العدوِّ أعجَزُ، وزعمتَ أَنَّك وليتني، وَأَنت ترى مَكَان عَبدِ الله بن حَكِيم، وعَبادِ بن حُصَيْن ولوْ وليْتهُما لكانا مُسْتحقَّيْن لذَلِك فِي فضلهما، وغنائهما، وبطشِهما. وَإنَّك اخترتني - وَأَنا رجلٌ من الأزد. ولعَمَري إِن شرا من الأزد لقبيلةٌ تنازعها ثلاثُ قبائل لم تستقِر

<<  <  ج: ص:  >  >>