للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ يزيدُ بن الْمُهلب لِابْنِهِ مخلد - حِين ولاه جُرجَان: استظرفْ كاتِبك، واستعِقلْ حاجِبَك. قَالَ حبيب بن الْمُهلب: مَا رَأَيْت رجلا مُستلئماً فِي الْحَرْب إِلَّا كَانَ عِنْدِي رجُلين، وَلَا رَأَيْت حاسرين إِلَّا كُنَّا عِنْد وَاحِدًا. فَسمع بعض أهل الْمعرفَة هَذَا الْكَلَام، فَقَالَ: صَدق: إِن للسلاح فَضِيلَة. أمَا تراهم ينادون عِنْد الصَّرِيخ: السلاحَ السِّلَاح، وَلَا ينادُون: الرِّجَال، الرِّجَال. قيل يزيدَ بن الْمُهلب: أَلا تبني دَارا؟ فَقَالَ: مَنزلي دَار الإمَارة أَو الْحَبْس. أغْلظ. رجلٌ للمهلب، فحلم عَنهُ، فَقيل لَهُ: جَهل عَلَيْك وتحلُمُ عَنهُ؟ فَقَالَ: لم أعرف مَساوَيه، وكرهت أَن أبهته بِمَا لَيْسَ فِيهِ. قَالَ يزيدُ بن الْمُهلب: مَا رَأَيْت عَاقِلا ينوبه أمرٌ إِلَّا كَانَ مقوله على لَحْييه. وَقيل لَهُ: إِنَّك لتُلْقي نفسَك فِي المهالك. قَالَ: إِنِّي إِن لم آتٍ الْمَوْت مُسترسلاً أَتَانِي مُستعجلاً. إِنِّي لست أُتِي الْمَوْت من حُبِّه، وَإِنَّمَا أتيه من بغضه، ثمَّ تمثل: تأَخرت أستبقى الْحَيَاة فَلم أجد لنَفْسي حَيَاة مثل أَن أتقدمَا. كتب الْمُهلب إِلَى الْحجَّاج لما ظفر بالأزارقة: الحمدُ لله الَّذِي كفى بِالْإِسْلَامِ فقدُ مَا سواهُ، وَجعل الْحَمد مُتَّصِلا بنعَمه، وَقضى أَلا يَنْقَطِع المزيدُ من فَضله، حَتَّى يَنْقَطِع الشُّكْر من عبَاده ثمَّ إِنَّا وعَدوَّنا كُنَّا على حَالين مُختلفتين، نرى فيهم مَا يسرُّنا أَكثر مِمَّا يسوؤُنا، ويروَن فِينَا مَا يُسوءُهم أَكثر ممَا يسرُّهم. فَلم يزل الله يكثرُنا ويمحقهم، وينصرنا ويخذلهم، على اشتداد شوكتهم، فقد كَانَ عَلن أمُرهم حَتَّى ارتاعَت لَهُ الفتاة، ونوِّم بِهِ الرضيعِ، فْانتهزْتُ مِنْهُم الفرصة فِي وَقت إمكانها، وأدنَيْتُ السوادَ، مِن السوَاد حَتَّى تعارفَتِ الوُجوه. فَلم نزل كَذَلِك حَتَّى بلغ بِنَا وبهم الْكتاب أجَله. فقطِعَ دَابُر القومِ الَّذين ظَلَمْوا والحمدُ لله ربِّ الْعَالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>