{وَإِيَّاك نستعين} أَي: نطلب مِنْك المعونة، فَإِن قيل: لم قدم ذكر الْعِبَادَة على الِاسْتِعَانَة؛ تكون قبل الْعِبَادَة؟ وَلم ذكر قَوْله: إياك مرَّتَيْنِ، وَكَانَ يكفى أَن يَقُول: إياك نعْبد ونستعين؛ فَإِنَّهُ أوجز وألخص؟ يُقَال: أما الأول فَإِنَّمَا يلْزم من يَجْعَل الِاسْتِطَاعَة قبل الْفِعْل، وَنحن بِحَمْد الله نجْعَل الِاسْتِعَانَة والتوفيق مَعَ الْفِعْل، سَوَاء قرنه بِهِ أم أَخّرهُ جَازَ.
أَو يُقَال: لِأَن الِاسْتِعَانَة نوع تعبد، فَكَأَنَّهُ ذكر جملَة الْعِبَادَة، ثمَّ ذكر مَا هُوَ من تفاصيلها.
وَأما قَوْله:{وَإِيَّاك نستعين} إِنَّمَا كَرَّرَه لِأَنَّهُ لَو اقْتصر على قَوْله: إياك نعْبد ونستعين؛ ليعلم أَنه المعبود، وَأَنه الْمُسْتَعَان، وعَلى أَن الْعَرَب قد تَتَكَلَّم بِمثل هَذَا، قد يدْخل الْكَلَام تجريدا أَو تفخيما وتعظيما. وَلَا يعد ذَلِك عَيْبا، كَمَا تَقول الْعَرَب:" هَذَا الْمَالِك بَين زيد، وَبَين عَمْرو "، وَإِن كَانَ يُفِيد قَوْلهم:" المَال بَين زيد، وَعَمْرو ". مَا يُفِيد الأول، وَلَا يعد ذَلِك عَيْبا فِي الْكَلَام؛ بل عد تفخيما وتجزيلا فِي الْكَلَام.