قَوْله تَعَالَى:{أم خلقُوا من غير شَيْء} فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَن مَعْنَاهُ: أم خلقُوا من غير أَن يكون لَهُم خَالق وصانع أَي: تَكُونُوا بِأَنْفسِهِم.
وَقَوله:{أم هم الْخَالِقُونَ} أَي: خلقُوا أنفسهم، وَالْمرَاد على هَذَا القَوْل، أَنهم إِذا لم يدعوا أَنهم تَكُونُوا من غير خَالق وصانع، وَلَا ادعوا أَنهم الَّذين هم خلقُوا أنفسهم، وأقروا أَن خالقهم هُوَ الله، فَلَا يَنْبَغِي أَن يعبدوا مَعَه غَيره. وَالْقَوْل الثَّانِي أَن مَعْنَاهُ: أم خلقُوا من غير شَيْء أَي: لغير شَيْء، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى:{أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا} وَمثل قَوْله تَعَالَى: {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} فَإِن قَالَ قَائِل: هَل يجوز أَن يكون " من " بِمَعْنى اللَّام؟ وَالْجَوَاب: أَن بَعضهم قد أجَاز ذَلِك، وَمن لم يجز قَالَ مَعْنَاهُ: أم خلقُوا من غير شَيْء توجبه الْحِكْمَة يعْنى: أَن الْحِكْمَة أوجبت خلقهمْ ذكره النّحاس أَيْضا وَالْأول أظهر فِي الْمَعْنى.