وَقَوله تَعَالَى: {الله يستهزىء بهم} الْآيَة. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى الِاسْتِهْزَاء من الله تَعَالَى؟ قُلْنَا فِيهِ أَقْوَال: قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ يجازيهم على صنيعهم، إِلَّا أَنه سَمَّاهُ الله استهزاء؛ لِأَنَّهُ جَزَاء الِاسْتِهْزَاء؛ كَمَا قَالَ: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} وَإِن لم يكن الْجَزَاء سَيِّئَة حَقِيقَة.
وَقَالَ بَعضهم: يستهزىء بهم أَي يعيبهم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {يكفر بهَا ويستهزأ بهَا} أَي: يعاب كَذَلِك هَذَا.
وَقَالَ أهل الرِّوَايَة مَعْنَاهُ: الله يستهزىء بهم فِي الْآخِرَة، والاستهزاء بهم فِي الْآخِرَة يحْتَمل وَجْهَيْن؛ أَحدهمَا: أَن يضْرب للْمُؤْمِنين على الصِّرَاط نورا يَمْشُونَ بِهِ، وَإِذا وصل المُنَافِقُونَ إِلَيْهِ حَال بَينهم وَبَين الْمُؤمنِينَ، فَذَلِك الِاسْتِهْزَاء بهم؛ كَمَا قَالَ: {فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب} .
وَالثَّانِي: أَنه يقربهُمْ من الْجنَّة، حَتَّى إِذا رأو زهرتها وحسنها وبهجتها، واستنشقوا رائحتها صرفهم عَنْهَا إِلَى النَّار، فَذَلِك الِاسْتِهْزَاء بهم، وَقد نطق عَنهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَعْنَاهُ حَدِيث فِي الصِّحَاح.
قَوْله: {ويمدهم} أَي، يمهلهم حَتَّى يستدرجهم. {فِي طغيانهم} أَي: ضلالتهم. {يعمهون} أَي: يتحيرون، قَالَ الشَّاعِر:
(ومهمة أطرافها فِي مهمة ... أعمى الْهدى بالجاهلين العمه)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute