قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} فَإِن قيل: كَيفَ خَاطب النَّبِي وَحده فِي الِابْتِدَاء ثمَّ قَالَ: {إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} ؟ وَالْجَوَاب من أوجه: أَحدهَا: أَن خطاب النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خطاب لأمته، مثل خطاب الرئيس يكون خطابا للأتباع وَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا أَيهَا النَّبِي والمؤمنون إِذا طلّقْتُم النِّسَاء.
وَالْجَوَاب الثَّانِي أَن قَوْله: {إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} على تَحْويل الْخطاب إِلَى الْغَيْر مثل قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم برِيح طيبَة وفرحوا بهَا. .} .
وَالْجَوَاب الثَّالِث: أَن فِيهِ تَقْدِير مَحْذُوف، وَتَقْدِيره: يَا أَيهَا النَّبِي قل للْمُؤْمِنين إِذا طلّقْتُم النِّسَاء. وروى قَتَادَة عَن أنس أَن النَّبِي طلق حَفْصَة، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: يَقُول لَك رَبك: رَاجعهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة، وَهِي من أَزوَاجك فِي الْجنَّة.
وَقَوله: {فطلقوهن لعدتهن} مَعْنَاهُ: لزمان عدتهن وَهُوَ الطُّهْر، وَفِيه دَلِيل على أَن الْأَقْرَاء الَّتِي تنقض بهَا الْعدة هِيَ الْأَطْهَار، وَهَذَا قَول أهل الْحجاز. وَأما من قَالَ: إِن الْأَقْرَاء هِيَ الْحيض، قَالَ معنى قَوْله: {لعدتهن} أَي: ليعتددن مثل قَوْله تَعَالَى: {فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا} أَي: ليحزنوا، ذكره النّحاس، وَقَرَأَ فِي الشاذ: " فطلقوهن لقبل عدتهن " وَقيل: إِنَّهَا قِرَاءَة النَّبِي، فَمن قَالَ: إِن الْأَقْرَاء هِيَ الْحيض اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْقِرَاءَة، لِأَن هَذِه اللَّفْظَة تَقْتَضِي أَن يكون زمَان الطَّلَاق قبل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute