قَوْله - تَعَالَى -: {إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم هَل تَسْتَطِيع رَبك} وَقَرَأَ الْكسَائي: " هَل يَسْتَطِيع " - بِالتَّاءِ - " رَبك " بِفَتْح الْبَاء، وَهَذِه قِرَاءَة عَليّ، ومعاذ وَعَائِشَة، وَكَانَت عَائِشَة تحلف أَن الحواريين أعرف بِاللَّه من أَن يَقُولُوا: هَل يَسْتَطِيع رَبك.
ولقراءتهم مَعْنيانِ: أَحدهمَا: أَن المُرَاد بِهِ هَل تسْأَل رَبك، وَالثَّانِي: هَل تستدعي طَاعَة رَبك بإجابته سؤالك إِيَّاه؟ وَأما الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة فَفِي مَعْنَاهَا أَقْوَال:
أَحدهَا مَعْنَاهُ: هَل يفعل رَبك. وَقَالَ الْفراء: يَقُول الرجل لغيره: هَل تَسْتَطِيع أَن تفعل كَذَا، يُرِيد بِهِ: هَل تفعل كَذَا؟ .
وَالثَّانِي مَعْنَاهُ: هَل يُطِيع رَبك اسْتَطَاعَ بِمَعْنى أطَاع، كَقَوْلِهِم: اسْتَجَابَ، يَعْنِي: أجَاب، فَيكون مَعْنَاهُ: هَل يطيعك رَبك؛ بإجابة سؤالك، وَفِي الْآثَار: " من أطَاع الله أطاعه الله " أَي: يُجيب دعاءه.
وَقيل: إِن الحواريين قَالُوا ذَلِك قبل استحكام الْمعرفَة، وَأَرَادَ بِهِ: الْقُدْرَة، وَلَو استحكمت معرفتهم لم يَقُولُوا ذَلِك، وَالصَّحِيح أحد الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين، وَهَذَا لِأَن الِاسْتِطَاعَة لَا تنْسب إِلَى الله غَالِبا؛ وَإِنَّمَا يُوصف بِالْقُدْرَةِ، وَأما الِاسْتِطَاعَة تكون للْعَبد.
وَقَوله: {أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} اعْلَم أَن الْمَائِدَة: اسْم لما يكون عَلَيْهِ طَعَام؛ فَإِذا لم يكن عَلَيْهِ طَعَام لَا يُسمى مائدة، وَاخْتلفُوا فِي اشتقاق الْمَائِدَة: مِنْهُم من قَالَ: هِيَ من الميد، بِمَعْنى الْإِعْطَاء، وَمِنْه: قَالُوا لأمير الْمُؤمنِينَ: الممتاد، يَعْنِي: الَّذِي يطْلب عطاؤه؛ فعلى هَذَا سميت مائدة؛ لِأَنَّهَا تُعْطِي من عَلَيْهَا الطَّعَام.
وَقيل: هُوَ من [الميد] بِمَعْنى الْحَرَكَة؛ فعلى هَذَا سميت مائدة؛ لِأَنَّهَا تتحرك بِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute