قَوْله تَعَالَى: {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} أَي: قَامُوا بِمَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ، وَيُقَال: قَامُوا بِالْأَمر على الْوَفَاء والصدق.
وَقَوله: {فَمنهمْ من قضى نحبه} النحب يرد بمعاني كَثِيرَة، وَأولى الْمعَانِي أَنه بِمَعْنى الْعَهْد، فَمَعْنَى الْآيَة: اتم الْعَهْد وَقَامَ بِهِ، قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: أَي أَقَامَ بِالْوَفَاءِ والصدق. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: النحب هُوَ النّذر، وَمعنى قضى نحبه هَا هُنَا أَي: قتل فِي سَبِيل الله، كَأَن الْقَوْم بقبولهم الْإِيمَان نذروا أَن يموتوا على مَا يرضاه الله، فَمن قتل فِي سَبِيل الله فقد قضى نَذره.
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: الْآيَة فِي الَّذين اسْتشْهدُوا يَوْم أحد، وهم حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ وَمن اسْتشْهد مَعَه.
وَقد ثَبت بِرِوَايَة يزِيد بن هَارُون، عَن حميد، عَن انس رَضِي الله عَنهُ أَن عَمه النَّضر بن أنس كَانَ تخلف عَن بدر فَقَالَ: تخلفت عَن أول غَزْوَة غَزَاهَا رَسُول الله، لَئِن أَرَانِي الله قتالا مَعَ الْمُشْركين ليرين الله مَا أصنع، فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد وَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ، وَرَأى ذَلِك النَّضر بن أنس قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعْتَذر إِلَيْك مَا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُسلمين وابرأ إِلَيْك مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُشْركين ثمَّ مضى بِوُجُوه الْكفَّار، فلقي سعد بن معَاذ دون أحد، فَقَالَ لَهُ سعد: أَنا مَعَك، قَالَ سعد: فَلم أستطع أَن أصنع مَا صنع، فَوجدَ بِهِ بضع وَثَمَانُونَ من ضَرْبَة سيف، وطعنة بِرُمْح، ورمية بِسَهْم. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: فَلم تعرفه إِلَّا أُخْته بثناياه. قَالَ أنس: فَفِيهِ وفيمن اسْتشْهد نزل قَوْله: {فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute