وَعَن عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أرى فِي الْمُصحف لحنا، (تستقيمه) الْعَرَب بألسنتها. وَمثله عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -.
وَأما قِرَاءَة حَفْص: فَهِيَ مُسْتَقِيمَة أَيْضا على الْعَرَبيَّة؛ لِأَن إِن مُخَفّفَة يكون مَا بعْدهَا مَرْفُوعا، وَمَعْنَاهُ: مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران.
وَأما قِرَاءَة الْأَكْثَرين - وَهُوَ الْأَصَح - قَالَ الزّجاج: لَا نرضى قِرَاءَة أبي عَمْرو فِي هَذِه الْآيَة؛ لِأَنَّهَا خلاف الْمُصحف، وَأما وَجه قَوْله: {إِن هَذَانِ} فَلهُ وُجُوه فِي الْعَرَبيَّة: أما القدماء من النَّحْوِيين فَإِنَّهُم قَالُوا: " هُوَ على تَقْدِير: إِنَّه هَذَانِ، فَحذف الْهَاء، وَمثله كثير فِي الْعَرَبيَّة، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن هَذَا لُغَة كنَانَة وخثعم (وزبيد) ، وَقَالَ الْكسَائي: لُغَة بلحارث بن كَعْب من كنَانَة، وَأنْشد الْكسَائي شعرًا:
(تزَود مني بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هَذِه التُّرَاب عقيم)
وَأنْشد غَيره:
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا قد ... بلغا فِي الْمجد غايتاها)
وأنشدوا أَيْضا:
(أَي قلُوص رَاكب ترَاهَا ... طاروا علاهن فطر علاها)
أَي: عَلَيْهِنَّ.
قَالَ الْكسَائي: على هَذِه اللُّغَة يَقُولُونَ: أَتَانِي الزيدان، وَرَأَيْت الزيدان، ومررت بالزيدان، وَلَا يتركون ألف التَّثْنِيَة فِي شَيْء مِنْهَا.
وَأما الْوَجْه الثَّالِث، هُوَ أصح الْوُجُوه، فَإِن الْقُرْآن لَا يحمل على اللُّغَة الْبَعِيدَة؛ وَهُوَ أَن معنى قَوْله: {إِن هَذَانِ} أَي: نعم هَذَانِ، قَالَ الشَّاعِر:
(بكر العواذل فِي الصَّباح ... يلمنني وألومهن)
(وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute