{وَالْإِيمَان من قبلهم يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم}
وَقَوله: {تبوءوا الدَّار وَالْإِيمَان} أَي: استوطنوا الْمَدِينَة، وقبلوا الْإِيمَان. وَقيل: تبوءوا الدَّار أَي: أعدُّوا الديار للمهاجرين وواسوهم فِي كل مَالهم.
وَقَوله: {وَالْإِيمَان} أَي: جعلُوا دُورهمْ دور الْإِيمَان، وَذَلِكَ بإظهارهم الْإِيمَان فِيمَا بَينهم، فَإِن قيل: كَيفَ يَسْتَقِيم قَوْله: {من قبلهم} وَالْأَنْصَار إِنَّمَا آمنُوا من بعد الْمُهَاجِرين؟ وَالْجَوَاب أَن قَوْله: {من قبلهم} ينْصَرف إِلَى تبوء الدَّار لَا إِلَى الْإِيمَان وَالثَّانِي أَن قَوْله {من قبلهم} وَإِن انْصَرف إِلَى الْإِيمَان فَالْمُرَاد مِنْهُ قبل هجرتهم؛ لِأَن الْأَنْصَار كَانُوا قد آمنُوا قبل هجرتهم.
وَقَوله: {يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم} أَي: من أهل مَكَّة وَغَيرهم.
وَقَوله: {وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا} قَالَ قَتَادَة: وَعند كثير من الْمُفَسّرين مَعْنَاهُ: حسدا مِمَّا أعْطوا، وَقيل: ضيقا فِي قُلُوبهم مِمَّا أعطي الْمُهَاجِرين، وَهُوَ بِمَعْنى الأول. وَقد ذكرنَا مَا أعْطى رَسُول الله الْمُهَاجِرين من أَمْوَال بني النَّضِير، فَالْمَعْنى ينْصَرف إِلَيْهِم.
وَقَوله: {ويؤثرون على أنفسهم} أَي: يقدمُونَ الْمُهَاجِرين على أنفسهم.
وَقَوله: {وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} أَي: فقر وحاجة. وَمن الْمَعْرُوف بِرِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَن بعض الْأَنْصَار أضَاف رجلا من الْفُقَرَاء، وَلم يكن عِنْده فضل عَمَّا يَأْكُلهُ وَيَأْكُل أَهله وصبيانه. وَفِي رِوَايَة: أَن ذَلِك الرجل كَانَ جَاع ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يجد شَيْئا، وَطلب رَسُول الله لَهُ شَيْئا فِي بيُوت أَزوَاجه وَلم يجد، فأضافه هَذَا الْأنْصَارِيّ، حمله إِلَى بَيته وَقَالَ لأَهله: نومي الصبية وأطفئي السراج [بعلة] الْإِصْلَاح، فَفعلت ذَلِك، وَجعلا يمدان أَيْدِيهِمَا ويضربان على (الصحفة) ؛ ليظن الضَّيْف أَنَّهُمَا يأكلان، وَلَا يأكلان ففعلا ذَلِك وَأكل الضَّيْف حَتَّى شبع، فَلَمَّا غَدا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute