للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه في الجاهلية وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وبعض خلافة عمر رضي الله عنه إلى أن ذهب به السيل.

وهاتان الروايتان فيهما ما فيهما. أما رواية الأزرقي عن ابن أبي مليكة فلأن راويها عبد الجبار بن الورد، يخالف في بعض حديثه كما رواه العقيلي في "كتابه - الضعفاء" عن الإمام البخاري (١) .

وأما رواية الأزرقي عن ابن جريج فلمخالفتها ما صح عن مشائخ ابن جريج من رواية ابن جريج عنهم، فقد روى عبد الرزاق في مصنفه، عن ابن جريج أنه قال: سمعت عطاء وغيره من أصحابنا يزعمون أن عمر أول من رفع المقام فوضعه موضعه الآن، وإنما كان في قبل الكعبة. ومع هذا ففي هاتين الروايتين مخالفة لدعوى صاحب النقض أن أول من حول المقام إلى الموضع الذي هو فيه اليوم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن ظاهرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم


(١) ومن أغرب ما جاء به صاحب النقض دعواه ص٧٦ أن كلام ابن أبي ملكية هذا تلقاه عن ثلاثين صحابيًا الذين أدركهم قال: (هو - أي ما ذكره ابن أبي مليكة - من العلم المأثور الذي تلقاه ابن أبي ملكية عمن أدركهم من الصحابة. فإنه أدرك ثلاثين منهم، لأن ما ذكره لا يقال من قبل الرأي) . وهذا مردود من وجهين: أحدهما: - أن الثلاثين صحابيا الذين أدركهم بن أبي ملكية لم يسمع منهم كلهم إنما سمع من بعض، وفي ذلك يقول العيني في "عمدة القاريء" في الكلام على قول البخاري في (باب خوف المؤمن أن يحيط عمله) قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين صحابيًا كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول أنه على ايمان جبريل وميكائيل. قال العيني ص٢٧٥ ج:١ أدرك - أي ابن مليكة بالسن جماعة ولم يسمع منهم، كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، وأظن صاحب النقض لو اطلع على قول ابن حبان في كتابه "مشاهير علماء الأمصار" في ابن أبي مليكة: رأى ثمانين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لو اطلع على هذا لادعى أن ما ذكرله الأزرقي عن ابن أبي مليكة تلقاه عن أولئك الثمانين صحابيًا. الثاني أن ما ذكره ابن أبي مليكة لم نجده عن صحابي واحد فضلا عن ثلاثين، بل الذي وجدناه عن عائشة وهي من أجل من أدركهم من الصحابة خلاف هذا، فقد ثبت عنها أن أول من أخر المقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويرى المحب الطبري في "القرى": أن كلام ابن أبي مليكة هذا إنما فهمه من سياق قصة المطلب بن أبي وداعة، ومادام الأمر كذلك فلا يقدم على تصريح عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>