للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دلالة "الواو" على الترتيب: منهم من قال لا نسلم أن "الواو" لا تدل على الترتيب، بل هي دلت عليه كما هو مذهب طائفة من النحاة وأهل اللغة وبعض الفقهاء. ثم نقول: وبتقدير تسليم كونها لا تدل على الترتيب اللغوي هي دالة عليه شرعًا فيما من شأنه أن يترتب، والدليل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت خرج من باب الصفا وهو يتلو قوله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) (١) ثم قال: "أبدأ بما بدأ الله به" لفظ مسلم. ولفظ النسائي "إبدءوا بما بدأ الله به" وهذا لفظ أمر. وإسناده صحيح، فدل على وجوب البداءة بما بدأ الله به، وهو معنى كونها تدل على الترتيب شرعًا. أهـ كلام ابن كثير. وكلام العلماء في بطلان دعوى الإجماع على أن "الواو" لا تفيد الترتيب كثير.

وأما ما يتعلق بالآية التي نحن بصدد الكلام عليها فقد بين السهيلي وابن القيم نكتة تقديم الطائفين على من سواهم. قال السهيلي في بحث الواو الذي نقله عنه ابن القيم في "بدائع الفوائد ج١ ص٦٥": بدأ أي في الآية الكريمة - بالطائفين للرتبة والقرب من البيت المأمور بتطهيره من أجل الطوافين، وجمعهم جمع السلامة، لأن جمع السلامة أدل على لفظ الفعل الذي هو علة تعلق بها حكم التطهير، ولو كان مكان (الطائفين) الطواف لم يكن في هذا اللفظ من بيان قصد الفعل ما في قوله (للطائفين) ألا ترى انك تقول: تطوفون، كما تقول: طائفون. فاللفظان متشابهان. فإن قيل: فهلا أتى بلفظ الفعل بعينه فيكون أبين، فيقول: وطهر بيتي للذين يطوفون. قيل: إن الحكم يعلل بالفعل لا بذوات الأشخاص، ولفظ


(١) سورة البقرة - آية ١٥٨

<<  <  ج: ص:  >  >>