"الوجه الثاني" من دلائل الإجماع: أن هذه القاعدة قد أمر بها غير واحد من الصحابة والتابعين في أوقات متفرقة، وقضايا متعددة، وانتشرت ولم ينكرها منكر. فعن قيس بن أبي حازم، قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على إمرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تتكلم فقال: مالها لا تتكلم؟ قالوا: حجت مصمتة.
فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت، فقالت: من أنت. قال: إمرؤ من المهاجرين. فقالت: من أي المهاجرين. قال: من قريش. قالت: من أي قريش؟ قال: إنك لسؤول، وقال: أنا أبو بكر. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية. قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ . قال: أما كان لقومكم رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم. قالت: بلى. قال: فهم أولئك على الناس رواه البخاري في صحيحه، فأخبر أبو بكر أن الصمت المطلق لا يحل، وعقب ذلك بقوله: هذا من عمل الجاهلية. قاصداً بذلك عيب هذا العمل وذمه، وتعقيب الحكم بالوصف دليل على أن الوصف علة، فدل على أن كونه من عمل الجاهلية وصف يوجب النهي عنه والمنع منه.
إلى أن قال: وقد قدمنا ما رواه البخاري في " صحيحه" عن عمر رضي الله عنه، أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: إياكم وزي أهل الشرك. وهذا نهي منه للمسلمين عن كل ما كان من زي المشركين.
وقال الإمام أحمد في " المسند " حدثنا يزيد، حدثنا عاصم، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر، أنه قال: ازروا، وارتدوا، واتعلوا