للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامساً: أما " التبني " فإن أراد ضم الطفل اللقيط إليه ومعاملته كأبنائه بالعناية والعطف والشفقة والنفقة وغير ذلك. فهذا من الأعمال الصالحة المرغب فيها شرعا لمن صلحت نيته، غير أنه لايلحق به نسبة شرعا، ولا يكون محرما لبناته ونحوهن، ولاتحرم عليه زوجته؛ ولا يستحق شيئاً من ميراثه. ومتى رغب أن يهب له شيئا منماله في حال حياته فلا مانع، وإن أراد أن يجعل له شيئاً من تركته بعد وفاته فالطريقة الشرعية أن يوصي له بما يريد بشرط أن يكون من الثلث فأقل، ولايتجاوز ثلث التركة مع بقية وصاياه إن كان له وصايا أخرى.

و" التبني " المفهوم عند الاطلاق، وهو أن يعمد الشخص إلى طفل مجهول النسب وينسبه إلى نفسه نسبة الابن الحقيقي لأبيه، ويثبت له أحكام البنوة من استحقاق إرثه بعد موته، وحرمة تزوجه بحليلته، وكونه محرما لبناته، وغير ذلك. فهذا باطل ولايصح، وهذا هو التبني المعروف في الجاهلية وفي صدر الاسلام يتوارث ويتناصر به. وقد تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فكان يدعى زيد بن محمد، فنسخ الله حكم التبني ومنع من اطلاق لفظه وأرشد إلى ماهو الأعدل والأرشد وهو انتساب الرجل إلى أبيه، فقال تعالى: (أدعو لإبائهم هو أقسط عند الله) (١) وقال: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) (٢) .

فامتثل النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بأن يدعى زيد بن حارثة، وتزوج صلى الله عليه وسلم بحليلته ـ فتبناه زيد بن حارثة ـ بل زوجه الله بها من فوق سبع سموات. وذلك لابطال التبني من جذوره؛ لما فيه من المفاسد الكثيرة التي منها الحاق المسلم بنسبة طفلا يعرف أنه من غيره وليس ابناله. ولايخفى مافي هذا من الحكم، والمصالح، وصيانة الانساب، وحفظ حقوق الاسر، وحرمان الابن من الانتساب لأبيه الشرعي، وإدخال عنصر غريب في نسب المتبني يدخل على زوجته وبناته باسم البنوة والأخوة ويختلط بهن وهو أجنبي عنهن، وكلما تركزت هذه البنوة الكاذبة ضاعت البنوة الحقيقية، وضاعت الانساب والمواريث، وحصل بذلك شر عظيم وفساد عريض، فلله الحمد والمنة على ماشرعه لنا من أحكام، وتبيان الحلال من الحرام. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

مفتي الديار السعودية

(ص / ف ٤٠٨ /١ في ٧/٢/ ٨٨)


(١) سورة الأحزاب ـ آية ٥.
(٢) سورة الأحزاب ـ آية ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>