للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتنبيه قد دل أيضاً على أن علة منع الحاكم من القضاء في هذا الحديث الصحيح هي الغضب. عمت معلولها وهو نهي الحاكم عن القضاء في كل حالة مشوشة للفكر: كالجوع والعطش المفرطين، والسرور والحزن المفرطين، والحقن والحقب المفرطين ونحو ذلك، لأن تشويش الفكر المانع من استيفاء النظر أمر شامل للغضب وغيره. فلم يقل أحد بأن القاضي يجوز له الحكم في الحالات المانعة من استيفاء النظر أمر شامل للغضب وغيره. فلم يقل أحد بأن القاضي يجوز له الحكم في الحالات المانعة من استيفاء النظر في الحكم غير الغضب. وإيضاح ذلك في الآية التي نحن بصددها أنه جل وعلا لما قال: {فاسألوهن من وراء حجاب} بين علة ذلك المشتملة على حكمته، فقال تعالى: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} (١) فبين أن العلة في ذلك هي أطهرية قلوب النوعين، والتباعد عن دواعي الريبة وقذر القلوب. ولا شك أن هذه العلة تشمل جميع نساء المؤمنين، لأنهن يطلب في حقهن طهارة قلوبهن وطهارة قلوب الرجال من الميل إلى ما لا ينبغي منهن. فليس لقائل أن يقول: هذا الأدب الكريم السماوي المقتضي المحافظة على الشرف والدين وأطهرية القلوب من الميل إلى الفجور يجوز إلغاؤه وإهداؤه بالنسبة لغير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من نساء المؤمنين، لأن طهارة القلب ومجانبة أسباب الرذيلة أمر مطلوب من الجميع بلا شك، مع أن النفوس أشد هيبة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من غيرهن، لأنهن أمهات المؤمنين.

(الوجه الثاني) : أن الأصل المقرر عند العلماء المؤيد بالدليل هو استواء جميع الناس في أحكام التكليف ولو كان اللفظ خاصاً


(١) سورة النساء - آية ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>