عدم جواز نقض هذا الحكم، وأنه الصواب مع تصميم القاضي المذكور على حكمه، فوجدت ما حكم به القاضي المنوه عنه أعلاه حكماً مستقيماً لا يسوغ نقضه، هذا الذي يفهم من أصول الشريعة المطهرة، وبتأمل ما سأذكره يتضح إن شاء الله وجه ذلك:
وذلك أن هاهنا خمسة إجماعات: الإجماع الأول أن هذه المسالة مسألة نزاع، وبرهان ذلك ما وقع بين العلماء في ذلك من الأقوال مع عدم دعوى أحد الإجماع في هذه المسألة، وقد قال تعالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(١) . الإجماع الثاني: أن الكتاب والسنة إذا أطلقا في شيء لم يجز لأحد من الناس تقييد ذلك الإطلاق إلا بحجة شرعية يتعين المصير إليها. الإجماع الثالث: أن المرجع في تحديد هذه الأمور هو الشرع المحض. الإجماع الرابع: أنه لا تحديد في ذلك شرعي يتعين المصير إليه، وهذا هو الذي حدا العلماء رحمهم الله إلى أن يحددوا بالعرف والعادة، فإن المحددين بسنتين والمحددين بثلاث سنين والمحددين بأربع سنين والمحددين بخمس سنين والمحددين بسبع سنين كل منهم يحتج على قوله بثبوت ذلك في الوجود وأنه ولد فلان لكذا، وأن نساء بني فلان يلدن لكذا ونحو ذلك، وهذا بعينه يحتج به القائلون بعدم التحديد وهم طائفة من أهل العلم منهم أبو عبيد رحمه الله، فإنه قد ثبت في الوجود من تلد لأكثر مما حدد به المحددون، والقضايا بذلك شهيرة كثيرة، لا يمكن أحداً أن يمانع فيها بحال، ولا يمكن أن يكون ثبوت ذلك في الوجود حجة للمحددين بأربع سنين على المحددين بسنتين أو بثلاث سنين، من غير أن يكون حجة المحددين بأكثر من أربع سنين على المحددين بأربع سنين، وهكذا. الإجماع الخامس: أن حكم الحاكم لا يسوغ نقضه إلا إذا خالف نصاً من كتاب أو سنة أو إجماعاً. إذا تقرر ذلك وعملنا بقوله تعالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} الآية.
ورددنا ذلك إلى الله والرسول لم نجد في كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتحديد أكثر مدة الحمل بأربع سنين حجة، بل يشهدان بنقيض ذلك،