ولا يخفى أن العقوبات بمختلف أشكالها إنما يراد منها أن تكون زاجرة لمرتكبها، وادعة لغيره من الوقوع فيها. ولما كان التشريع الإسلامي في الدقة والشمول لا يدانيه أي تشريع حيث استوعب بالزجر والوعيد وترتيب العقوبات في العاجلة والآجلة كل ما له صلة بتنظيم علاقات المحكوم بالحاكم والفرد بالمجموع والمصالح الفردية والمصالح المشتركة وكل ما له صلة بنظام الاجتماع ولم تكتف نصوصه بتقرير العقوبات، بل رتب على ارتكاب المخالفات والعذاب، وفي تجنبها الوعد بالثواب والنجاة من العقاب، ولذلك فإن جل ما يمنع الناس من الوقوع في المحظورات ناشئ عن هذه الأشياء الدينية. وبالعكس من ذلك ما يستقر في نفوس الناس أن هذا الشرع بموجب النظام فإننا نجد الناس يفتنون في التحايل على تحديد النفس وصور تعجز معها نصوص النظام أن تحيط بهذه المخالفات مهما رتب الاستيعاب في صياغة النص، لأنها غير محاطة بجلال التحريم الصادر من الرب وتقدس.
لذلك فإن مسايرة الأوضاع في التوسع في سن أنظمة للجنايات والجنح والمخالفات تأخذ نفس الشكل والطابع المجرد عن العقيدة أمر فيما يبدو لا يحقق ما يراد منه من الزجر والردع. ولقد مرت فترة جرب فيها فصل الناحية الوظيفية في الدولة وما يقع فيها من مختلف الوقائع والمخالفات وإبعادها من الاحتكام فيها إلى المحاكم الشرعية ويرتب لها أحكام تسمى (الأحكام الإدارية) ومحاكم تسمى (المجالس التأديبية) فظهر أن المجموعة العظمى في الدولة المستمرة في تحكيمها إلى المحاكم الشرعية في سائر ما يقع فيها من موجبات للتحاكم هي التي احتفظ لها بالطمأنينة والانتظام. أما الفئة القليلة (طبقة الموظفين) فإنه واضح أن أمر المخالفات بمختلف صورها تتزايد، والتحكيم بشكله المعروف غير منتظم وغير محقق للمصالح، وكذلك الحال بالنسبة لكل ما تناوله هذا النوع من التنظيم الجنائي كنظام الجوازات والجنسية ونظام الجنايات، مع هذا فإن الخلط والتنافر بين مدلولات هذه الأنظمة وعدم الانسجام بين تطبيقاتها والتناقض أحياناً كثيراً ما تتسم به.
لذلك نوى أن نظام الموظفين الحالي قد عقد الفصل الحادي عشر