على ذلك أو عمرو الداني في "كتاب المقنع" قال: لا مخالف له -أي مالك- في ذلك -أي في منع تغيير رسم المصحف- من عملاء الأمة. اهـ. وتبعه العلامة ابن الحاج في "المدخل" قال: يتعين عيه -أي على الناسخ- أن يترك ما أحدثه بعض الناس في هذا الزمان وهو أن ينسخ (الختمة) على غير مرسوم المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة على ما وجدته بخط عثمان رضي الله عنه. اهـ.
قلت: ولهذا نرى أبا عمرو الداني لما ذكر الروايات في أن أول من ألحق الألف في كتاب الله في {سيقلون لله} نصر بن عاصم، والقول بأن أول من ألحقها عبيد الله بن زياد، تعقب جميع ذلك بقوله: هذه الأخبار عندنا لا تصح لضعف نقلتها واضطرابها وخروجها عن العادة، إذ غير جائز أن يقدم نصر وعبيد الله هذا الإقدام على الزيادة في المصاحف مع علمهما بأن الأمة لا تسوغ لهما ذلك بل تنكره وترده وتحذر منه ولا تعمل عليه، وإذا كان ذلك بطل إضافة هاتين الألفين إليهما، وصح أن إثباتها من قبل عثمان والجماعة رضوان الله عيهم حسبما نزل به من عند الله وما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو عمرو الداني أيضاً بعدما ذكر أنه رأى في بعض المصاحف كتابة "حتى" بالألف قال: لا عمل على بذلك لمخالفة الإمام ومصحف الأمصار" اهـ.
ومما ذكروه من أدلة المنع ما يلي:
١- أن ذلك الرسم الذي كتبت به المصاحف العثمانية هو الذي كان كتاب الوحي يكتبون الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بهن ثم استكتب به الخليفة عثمان رضي الله عنه عدة مصاحف ووزعها على الأمصار ليكون كل مصحف منها إمام للمصر الذي وصل إليه، واستمر ذلك الرسم في عهد الصحابة لم يحاول واحد منهم تغييره، وفقا أثرهم التابعون وتابعوهم بإحسان، فلا يجوز العدول عن رسم خطي بالإقرار في زمن الوحي الذي لا يقر فيه على ما يتنافى مع حفظ القرآن وبعمل الخلفاء الراشدين وبإجماع الصحابة وبالتابعين لهم بإحسان إلى غيره مما سيجعل القرآن عرضة للتلاعب به فيما بعد:
٢- أن في تغيير رسم المصحف عما كانت عليه المصاحف العثمانية استدراكاً على السلف وهو غير لائق، ولهذا قال: البيهقي في "شعب الإيمان": ومن يكتب مصحفاً فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا -أي الصحابة- به تلك المصاحف،