ولا يخالفهم فيه، ولا يغير مما كتبوا شيئاً، فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق لساناً وأعظم أمانة فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم، ومر إلى أن قال: واتباع حروف المصاحف عندنا كالسنن القديمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها. اهـ.
وما أحسن ما قاله الزمخشري في كتابه "الكاشف" تعقيباً على من زعم أن نصب {والمقيمين الصلاة} لحن من خطأ الكتاب قال بعد توجيه نصبها أحسن توجيه، إن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم، خرقا يرفوه من يلحق بهم، ونعتقد مع هذا أن كتابتهم المصحف على تلك الهيئة لم تكن كيفما اتفق؛ بل كانت عن أمر متحقق عندهم يجب الاعتناء به كما صرح به البرهان للزركشي.
٣- أن في إبقاء الرسم الأول بأولوية ما عليه السلف الصالح، وفي ذلك يقول السخاوي: الذي ذهب إليه مالك -أي من منع التغيير- هو الحق؛ إذ فيه إبقاء الحالة الأولى إلى أن تعلمها الطبقة الأخرى بعد الأخرى، ولا شك أن هذا هو الأحرى، إذ في خلاف ذلك تجهيل الناس بأولوية ما في الطبقة الأولى.
الجواب عما اعتمدت عليه مجلة العربي
أما قولها: بأن خط المصحف لا مانع من تغييره ما دام ليس بخط جبريل أو الرسول.
فالجواب عليه: أن رسم المصحف العثماني وإن لم يكن بيد جبريل ولا بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان الوحي يكتب به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هناك ما يوجب تغييره لنزل الوحي بذلك وما كان ربك نسيا، ثم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أجمع الصحابة على تلك الكيفية، وقفا أثرهم التابعون وتابعو التابعين فصار ذلك إجماعاً، فما كان بهذه المثابة لا يغير كما تقدم.
وأما وقوع الجهال في الخطأ.
فالجواب عنه بأمرين:
"أحدهما": ما ذكره الزركشي في "البرهان" بعدما ذكر عن العز بن عبد السلام أنه مال غلى تغيير رسم المصحف نظراً إلى هذا، وهو أن ما أحكمته القدماء لا يترك مراعاة لجهل الجاهلين وأن تخلو الأرض من قائم لله بحجة.؟