للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"الثاني": أن تلقي القرآن من أفواه الرجال يذهب الغموض من الرسم كائناً ما كان، وهو المعول عليه، حتى عد العلماء من حكم الرسم على تلك الكيفية التي رسمت بها المصاحف العثمانية أن لا يعتمد القارئ على المصحف بل يأخذ القرآن من أفواه الرجال، قال صاحب "نثر المرجان": ذكر صاحب الخزانة عن الكسائي أنه قال: في خط المصحف عجائب وغرائب تحيرت فيها عقول العقلاء، وعجزت عنها آراء الرجال البلغاء، وكما أن لفظ القرآن معجز فكذلك رسمه خارج عن طوق البشر، والحكمة ي الرسم أن لا يعتمد القارئ على المصحف بل يأخذ القرآن من أفواه الرجال الآخذين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند العالي. وقال ابن الحاج في "المدخل" ج٣ ص٩٢ بعد ذكر فتوى مالك بمنع تغيير سم المصحف ما نصه: لا يلتفت إلى اعتلال من خالف بقوله: أن العامة لا تعرف مرسوم المصحف ويدخل عليهم الخلل في قرائتهم في المصحف إذا كتب على المرسوم فيقرأون مثلا "وجاء" "وجاى" لأنه بألف قبل الياء، ومن ذلك قوله تعالى: {فأنى يؤفكون} . {فأنى تصرفون} . فإنهم يقرأون ذلك وما أشبهه بإظهار الياء إما ساكنة وإما مفتوحة، وكذلك قوله تعالى: {وقالوا مالِ هذا الرسول} مرسوم المصحف فيها بلام منفصلة عن الهاء، فإذا وقف عليها التالي وقف على اللام. وكذلك قوله تعالى: {أولا أذبحنه} {ولا أوضعوا خلالكم} . مرسومها بألف بعد لا، فإذا قرأهما من لا يعرف قراءتهما بمدة بينهما إلى غير ذلك وهو كثير، وهذا ليس بشيء، لأن من لا يعرف المرسوم من الأمة يجب عليه أن لا يقرأ في المصحف إلا بعد أن يتعلم القراءة على وجهها، أو يتعلم مرسوم المصحف، فإن فعل غير ذلك فقد خالف ما اجتمعت عليه الأمة، وحكمه معلوم في الشرع الشريف.

فالتعليل المقدم ذكره، وهو أن مرسوم المصحف يدخل الخلل على العامة في القراءة، مردو على صاحبه، لمخالفته للإجماع المتقدم، قال ابن الحاج: وقد تعدت هذه المفسدة إلى خلق كثير من الناس في هذا الزمان، فليحتفظ من ذلك في حق نفسه وحق غيره، والله الموفق. اهـ.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في "العارضة" ص٢٦٨ الجزء الحادي عشر في الكلام على جمع القرآن بمناسبة رواية الترمذي للأحاديث المتعلقة به في أبواب التفسير: هذه المصاحف إنما كانت تذكر لئلا يضيع القرآن، فأما القراءة فإنما أخذت بالرواية لا من المصاحف. اهـ.

ولابن كثير في "فضائل القرآن" كلام جيد في هذا الموضوع نصه: فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن، لأن الكتابة لا تدل على الأداء، كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه، وإذا أدى الحال إلى هذا منع

<<  <  ج: ص:  >  >>