وذكر أنه اختلط في هذه الأموال المرتبة السلطانية الحق والباطل. فأقوام من ذوي الحاجات والعلم لا يعطى أحدهم كفايته ويتمزق جوعًا. وهو لا يسأل. ومن يعرفه فليس عنده ما يعطيه. وأقوام يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله. وقوم لهم رواتب أضعاف حاجاتهم. وقوم ينالون جهات كالمساجد وغيرها. فيأخذون معلومها. وقوم آخذون ما لا يستحقون. ويأخذون فوق حقهم. ويمنعون من هو أحق منهم حقه أو تمام حقه.
ولا يستريب مسلم أن السعي في تمييز الحق من غيره والعدل بين الناس وفعله بحسب الإمكان هو من أفضل أعمال ولاة الأمور. بل ومن أوجبها عليهم. قال ولا يجوز للإمام أن يعطى أحدًا ما لا يستحقه لهوى نفسه من قرابة بينهما أو مودة أو نحو ذلك. وليس لولاة الأمور أن يقسموها بحسب أهوائهم كما يقسم المالك ملكه. فإنما هم أمناء ونواب ووكلاء.
(وقال - صلى الله عليه وسلم -) فيما رواه عنه عمرو بن تغلب النمري (إني أعطي أقوامًا) وفي لفظ قومًا (أخاف ظلعهم) أي انقطاعهم واعوجاجهم وتأخرهم (وجزعهم) أي وأخاف قلة صبرهم إذا لم أعطهم. فيتألفهم ويثبتهم بالعطاء (وأكل أقوامًا) اعتمادًا وثقة وطمأنينة (إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير) المانع لهم من الهلع والجزع بل (والغنى) الذي أودعه الله في قلوبهم. وتقدم