من هذا قصة ذلك السّكوني الذي حضر ضمن وفد قومه الذين قدموا من اليمن إلى المدينة المنورة- على صاحبها الصلاة والسلام- عام الوفود السنة التاسعة للهجرة، بصدقات أموالهم. فأكرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفادتهم وقضى حوائجهم. لكن هذا الغلام الذي خلّفه قومه على رحالهم- وهو أحدثهم سنّا كانت له حاجة أخرى. وحينما جاؤوا إلى وداع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألهم- كعادته صلّى الله عليه وسلم- إن كانوا خلّفوا أحدا؟ فذكروا الغلام، فقال صلّى الله عليه وسلم:«أرسلوه إلينا» . فأقبل الغلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إني امرؤ من بني أبذى، يقول: من الرهط الذين أتوك آنفا، فقضيت حوائجهم. فاقض حاجتي يا رسول الله، قال:«وما حاجتك؟» قال: إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي، وإن كانوا قدموا راغبين في الإسلام، وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم، وإني والله ما أعلمني من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني، وأن يجعل غناي في قلبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأقبل إلى الغلام:«اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه» . ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه، فانطلقوا راجعين إلى أهليهم. ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الموسم بمنى سنة عشر، فقالوا: نحن بنو أبذى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟» قالوا: يا رسول الله ما رأينا مثله قطّ، ولا حدّثنا بأقنع منه بما رزقه الله، لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها. ولا التفت إليها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعا» . فقال رجل منهم: أو ليس يموت الرجل جميعا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«تشعّب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا، فلعل أجله أن يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبالي الله عز وجل في أيها هلك» . قالوا: فعاش ذلك الغلام فينا على أفضل حال، وأزهده في الدنيا، وأقنعه بما رزق. فلما توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام، قام في قومه فذكرهم الله والإسلام، فلم يرجع منهم أحد، وجعل أبو بكر الصديق يذكره ويسأل عنه حتى بلغه حاله وما قام به،