والمسلمون اليوم يتلفتون- في موسم الهجرة وأمثاله- بحثا عن معانيها، وما هي ببعيدة، ليجدوها في دفتي الكتاب. وكم هزلت قلوب، حين أوصدت الأبواب. فحين تفتح الأبواب وتقبل مرتوية، ترتقي في سلم الفضيلة. بل إن البشرية لتتلفت بحثا عن قيادة رشيدة، قيادة إسلامية، يعرف إنسانها ربّه. وقيادة منهج كريم يملك أن يحقق للإنسان إنسانيته ويهبه حضارته ويقيم خلافته، وهو الأمر الذي تتحقق ويتحقق بالإسلام وحده.
وكأن الله تعالى، قد وهب للإنسان وعلّمه، لينتج هذه الحضارة الحديثة، التي ضلت الطريق، أن يعوا درسا كبيرا: أنه ليس من شيء يغني عن شرع الله، والحاضر خير دليل، فحياة الإنسان اليوم تراب، ينتظر المطر قبل الاحتراق، وهو على شفا الارتطام، في هوّة تخنقه، يبحث عن كوة نور. وما كان لأمة أن تلد ذلك، وهي لا تنتظر ولا تأمل، بل تسير في عين الاتجاه، تفخر بباطلها، وتدّعي على الحق برهانا، معتدية على سلطان الله الكريم سبحانه وتعالى.
وهذا دليل آخر على أن الرقيّ البعيد عن الله، يورث مزيدا من الانحراف، مما يجعل التوجه إلى الله بشرعه ضرورة وحتمية، أوثق من كل الحتميات المدّعاة جزافا.
ولذلك كانت حضارة اليوم صخرية الطبيعة، عقيمة الرحم، وإن لجأت إلى الأنابيب، لكنها سوف لا تلد المولود الكريم، ما دامت شاردة عن الله تعالى.
فالهجرة حدث فريد في التاريخ الإسلامي، وتاريخ النبوات كذلك، فليس له مثيل، مثلما أراد الله لهذا الدين أن يكون متميزا في كل شيء، دين يلقى هذه الصعوبة في مكة، كان الأمل- في العوامل الظاهرة- أن يستجيب أهلها، أكثر بمراحل، مما فعلوا. ولكنها كانت كالصخر أو أشد، إذ أن