معدل من أسلم (وكلهم نحو ٣٠٠ مسلم خلال العهد المكي كله، ثلاثة عشر عاما) كان بمعدل حوالي اثنين في كل شهر، وهذا لم يشكّل يأسا لأحد من المسلمين، بل وكأنه كان للصبر مددا. ولكن مدده طاعة الله ورضاه، من غير استكثار لكل تضحية، وما نال المسلمين في سبيل ذلك. وكان الأمل دوما في الله غير منقطع، كما كان ورأيناه في أحداث الهجرة كذلك.
والدعوة الإسلامية على الدوام لا تقف، فإن لم تتقدم اليوم فغدا، أو لم يستجب لها هؤلاء القوم، فغيرهم. فإذا عقمت أرض فعداها، ولا تدري من أين يأتي الفرج، لكنه دوما من المؤمنين قريب، ما دام متوجها إلى الله، كالماء يحمل الحياة، وقد ترفضها أرض فلا يتغير، ولا بد أن يشق طريقه مهما كانت العراقيل.
لقد كان الأمل في المدينة أن أول من يؤمن فيها من ساكنيها هم اليهود، وهم أهل كتاب. لكنهم رفضوا حسدا، وهم يعلمون صدق هذا الدين وكتابه ونبيّه صلّى الله عليه وسلم الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: ٢٠] .
وتصوّر الهجرة ألوانا كثيرة من أحوال الدعوة والدعاة، بقيادة النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم كيلا ييأس الدعاة، إذا ما نظروا إليه وهو نبيّ، فكيف بغيره؟ وإذا ما أغلقت قلوبهم فتحت أخرى، أو تصخّرت أرض تمهدت غيرها. كما أنه ليس من الضروري توفر عوامل معينة تقرّب من الدين أو تبدو كذلك وتوفر العلم به وغير ذلك، مدعاة لهؤلاء أن يؤمنوا فلا يفعلون، كيلا يكون الدين حكرا على أحد، فقد يؤمن البعيد دون القريب أو الضعيف دون القوي، فمن التحق بهذا الدين نال الشرف، وليس الشرف بالادّعاء، إنما بالانتساب الحق لهذا الدين سلوكا وعملا والتزاما.
إنّ مقتضى الاحتفال بالهجرة وشقائقها أن تتوجّه القلوب إلى معانيها تستلهم روحها، وتصدر عن تعاليمها، من غير مفارقة لسمتها، ونرجو وندعو الله تعالى أن تتجلى هذه المعاني التعبدية والفكرية والنفسية، تصوّرا