للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكي ينجز كل ما وعد سبحانه مما يتعلق بهذا الدين. فأنت ترى منذ بداية الدعوة الإسلامية، كيف سارت ونمت. تتبدى لك فيها بشرية الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم ونبوته في عين الوقت، حيث أبلغ منهج الله تعالى للأمة وجاهد له وصبر وضحى، حتى نصره الله تعالى وحققه نافذا وواقعا معاشا، بكل أبعاده. يتعايش الإنسان به ومعه وله، ثم كيف أن سياقاته وحركته وانطلاقته مصونة مأمونة مضمونة، وراءها يد الله القادر تسيّرها.

وكان لا بد أن يتم ما يريده سبحانه وتعالى، من اكتما لهذا الدين- بعد النصوص- في تطبيقه الشامل. ولذلك وإن كان هذا المعنى فهم واضحا؛ لكنه بحاجة إلى تجلية أكثر، تتعمق وراء مضامينه وارتباطاته في واقع الحياة. تحس كأن الله تعالى صرّف سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتجري بالكيفية التي تمت بها، محقّقة إرادة الله جل جلاله في اكتما لهذا الدين، نصوصا وتطبيقا، في كل الآفاق والمجالات والصيغ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [آل عمران: ١٥٢] «١» .

وكلما تعمق الدارس- المسلم خاصة- في السيرة الشريفة، يرى بشكل أوضح هذه الآفاق. ومن خلالها وفي هذا الأمر يشهد أيضا في الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم بشريته مثلما يرى نبوته، حيث اجتمعت كلتاهما، تلاقيا طبيعيا لا تكادان تنفكان، بل هما تماما كذلك «٢» .

ولذلك فإنك ترى- مما ترى- أن كل ما في سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قول وفعل وتقرير وحركة وسكنة- وتأمل يشير إليك بوضوح- أنه نبي، أرسله الله تعالى بالصيغة المبيّنة في كتابه سبحانه وتعالى. وبهذا فإنك كلما ارتقيت وتعمقت وترققت، لا تسأل عن معجزة أخرى للتدليل على نبوته الكريمة، على الرغم من أن هذا لا يعد من المعجزات المفهومة والمعروفة.


(١) الحس: إخماد الأنفس والاستئصال. التفسير (١/ ٤٩٣) . أعلاه، ص ١٦.
(٢) انظر أعلاه، (١٢، ١٧) .

<<  <   >  >>