للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن لا يمكن أن تتم ولو بأصغر صورة مثل هذه الصياغة، دون منهج الله تعالى الذي أودع سبحانه تعالى فيه سرا يقيم الحياة الإنسانية الفاضلة عليه بمستويات وصور وصيغ، تجعلها هي التي تحس بهذا السر المودع، حتى لو لم يمكنك التعبير عنه، لكنك في الواقع تكاد تلمسه، بل تراه وتشهده.

وحتى مع توفر هذا المنهج بين يديك، قد لا يفلح الكثير في الوصول إلى تلك الصيغ التي وصل إليها الصحابة، وبذلك التكامل والشمول والارتقاء، ليس في جانب من جوانب الحياة، بل في كافتها وكلها، بذلك المستوى للفرد، مثلما لم يتم ذلك لفئة أو أفراد أو جماعة فحسب، بل للمجتمع كله صغارا وكبارا نساء ورجالا شيبا وشبابا وشوابّا «١» ، لا يكاد يشذ عنه أحد منذ الجيل القرآني الفريد (جيل الصحابة الكرام) . وفي كلتا الحالتين تحقيق لمعجزة الإسلام وبيان إعجازه المتنوع المتسع المكين. لذلك فالإنسان فيه مولود جديد وهو في نوعيته فريد وفي حياته سعيد، سعادة الدنيا والآخرة.

فإن يتم إنشاء وتنشئة جيل بأكمله، معبّرا عن معاني الإسلام في مسلكه وحياته وإنجازاته التي طبعت بطابع الإسلام المعجز، فكانت إنجازاته بروعتها كذلك، فهو أمر لا يخلو بحال من روائع وروائح عطر الإعجاز والمعجزات.

وتصور ما جرى للمسلمين في الحديبية الذين قال الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم فيهم: «أنتم اليوم خير أهل الأرض» «٢» . إذا فهذه التربية على منهج الله تعالى وإنجاز صياغة مثل هذا المجتمع هو بذاته معجزة من معجزات الإسلام، أو من ثمارها.

وحيثما تلفّتّ تنظر في حياتهم وجدت ثمار تصرفاتهم موصوفة بذلك.

إنسان ارتقى بهذا المنهج على يدي هذا الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم أسوتهم، بيده


(١) جمع شابّة.
(٢) سبق ذكره. انظر: أعلاه، ص ٤٧، ٦٤، ٩٤.

<<  <   >  >>