للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالسكباج، والديباج، والخز، والخوذة، والإبريق، والطست، وغيرها.

وفي "المزهر" فصل معقود لألفاظ أخذتها العرب من الفارسية والرومية والسريانية والنبطية وغيرها، ولكن علماء اللغة كانوا يخلطون في ذلك؛ لأنهم غير متحققين بتلك اللغات ولا بأكثرها؛ والعجيب أنهم يردون أكثر المعربات إلى الفارسية، ولم نكن نظن أن لذلك سببًا غير شيوع هذه اللغة أيام العباسيين، حتى وقفنا على أن مرجع تلك النسبة إلى العصبية؛ فإن كثيرًا من العلماء كانوا موالي أو فرسًا، وقد نصوا على أن بعضهم -كحمزة الأصبهاني والأزهري وغيرهما- كانوا يتملحون لذلك؛ تكثيرًا لسواد المعربات من لغة الفرس وتعصبًا لهم.

وبلغ من ذلك أن منهم من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بالفارسية؛ واشتهر بين الأعاجم حديثان، أحدهما قوله فيما زعموا: أن جابرًا صنع لكم سور أي: ضيافة. والثاني قوله: العنب دو دو والتمر يك أي: في تناولهما مثنى وفرادى. وقد حقق العلماء أن لا أصل له، وإنما يتوجه على تلك العصبية التي تشبه أن تكون دينًا لغويا ترغم العربية على انتحاله.

ومن المعرب كلمات معدودة استعملها العرب ولها رديف في لسانهم: كالتامورة للإبريق، والثقوة للسّكرُّجة، والمشموم للمسك، والناطس للجاسوس، ونحوها؛ ولا يعقل أن يستعمل العرب هذه الألفاظ على أنها مرادفات لأوضاعها في لغتهم؛ لأنهم لا يبلغون بالمعرب قوة كلامهم بالضرورة من حيث إنه دخيل على الأوضاع العربية فهو ليس في معنى الأصيل إلا حيث تخلو اللغة من نديده. وعندنا أن بعض تلك الألفاظ إنما كان لمعان غير محدودة بما يطابق عليه بالحد، بل يبقى من الألفاظ المشتركة، وحينئذ كانت اللفظة الدخيلة أولى بالحاجة وأصح في تأدية المعنى اللغوي بحده؛ وقد يكون بعض تلك الألفاظ من وضع قبيلة بعينها، ثم تتناول القبائل الأخرى اسمه بالتعريب لخلو لغتها منه أو لقربها من أسواقه، واختلاطها بأهله، فينطق بالأصيل قوم وبالدخيل أقوام، وقلة هذه الألفاظ المشار إليها مما يحقق ظننا فإن كل ما جمعوه منها نيف وعشرون لفظة.

الدخيل في الإسلام:

ولما فتحت الأمصار على المسلمين ودان غير العرب للإسلام، فشت في منطق المتحضرين ألفاظًا كثيرة من الدخيل بحكم الاختلاط والمعاملة، إلا أن أكثرها لم يلتحق باللغة؛ لأن الرواة أهملوه؛ وكان هذا الدخيل أول أمره بدء انحراف الألسنة عن العربية الفطرية في تاريخ اللحن كما سيأتي في موضعه، ومن ذلك ما ساقه الجاحظ في لغة أهل المدينة، فإنه ذكر أنهم علقوا ألفاظًا من قوم من الفرس نزلوا فيهم، فيسمون البطيخ: الخربز، والسميط: الروزق؛ وأن أهل الكوفة يسمون المسحاة: بال، والسوق، بازار، وذلك كله فارسي.

وكان الأعراب الأقحاح يعجبون لمثل هذا ولا ينطقون به؛ وقد حكى أبو مهدية الأعرابي -ممن أخذت عنهم اللغة- بعض ألفاظ أعجمية كانت فاشية لعهده فأنكرها؛ وإنما ضربها مثلًا لغيرها فقال:

يقولون لي "شنبذ" ولست مشنبذًا ... طوال الليالي ما أقام ثبير

<<  <  ج: ص:  >  >>