كان مبدأ ذلك في طليطلة في القرن الثاني عشر للميلاد، حتى أنشأ دريموند رئيس الأساقفة مدرسة للترجمة، وهي المدرسة الأولى من نوعها، وذلك من سنة ١١٣٠ إلى ١١٥٠م، وقد جعل رئيس التراجمة فيها الأرشيدوق باكر دومينيك لتحقيق الألفاظ اللاتينية المترجم بها.
وكان أشهر تراجمة اليهود في هذه المدرسة يوحنا الأشبيلي، فأخرجوا إلى اللاتينية كتبًا كثيرة من مؤلفات ابن سينا، ثم نقلوا بعض كتب لأبي نصر الفارابي والكندي؛ وقيل هذه المدرسة كان بعض الأفراد قد نقلوا كتبًا من الرياضيات والطب والفلك، مثل قسطنطين الأفريقي وجربرت وأفلاطون دي تريفولي وغيرهم.
وفي القرن الثالث عشر للميلاد كان اليهود في الأندلس أقدر التراجمة وذلك في عهد ألفونس العاشر ١٢٥٢م-١٢٨٤م خليفة القديس فرديناند الثالث، إذ كان هذا الألفونس من أوفر الملوك عقلًا، فأراد أن يصنع بإسبانيا مثل ما صنعه العرب، فأسس بأشبيلية مدرسة عربية لاتينية، وترك مدينة مرسيه على ما كانت عليه من الرونق العربي، واستدعى إلى عاصمته العلماء والأدباء من العرب واليهود وغيرهم، وأسس بهم مدرسة طليطلة الثانية التي كانت تجمع إلى التقاليد اللاتينية فنون الحضارة العربية والعلم العبراني؛ وظل اليهود يترجمون كتب الفلسفة والتاريخ والفلك العربية بما عليها من الشروح، وكان زان بن زاكب، ويهوذا هاكون والربان زاك، هم الذين نقلوا لألفونس جمهرة تلك الكتب العربية.
وقد نشأ من علماء المسلمين من يعلم بتلك الألسن المختلفة؛ كمحد بن أحمد القرموطي المرسي وكان من أعرف أهل الأندلس بالعلوم القديمة: المنطق، والهندسة والعدد والموسيقى والطب وغيرها، آية الله في المعرفة بالأندلس، يقرئ الأمم بألسنتهم فنونهم التي يرغبون فيها وفي تعلمها، وقد بنى له ألفونس في مرسيه مدرسة يقرئ فيها المسلمين والنصارى واليهود. "ص٤٠٩ ج٢: نفح الطيب" ولم نذكره في الفلاسفة؛ لأن هذا الموضع أليق به.
وقد نشأ من اليهود بالأندلس شعراء وأدباء، من أشهرهم نسيم الإسرائيلي، وابن سري، وابن الفخاري اليهودي "ص٣٠٤ ج٢: نفح الطيب"، وإلياس بن المدور الطبيب الرندي "ص٣٠٥ ج٢"، وإسماعيل اليهودي وابنته قسمونة "ص٣٠٥ ج٢" وغيرهم، وكانوا يكتبون، ولكن لم ينبغ منهم أحد في الكتابة على ما نعلم، إلا أن يكون ممن ذكرناهم، وما كانت براعتهم في الترجمة إلا من معرفتهم للسانين اللاتيني والعبراني، وهو أمر انصرف عنه المسلمون حتى لم نكد نقف على اسم واحد منهم غير القرموطي.