للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب السادس: في حقيقة القصائد المعلقات ودرس شعرائها]

[السبع الطوال]

...

[السبع الطوال]

هي المعروفة بالمعلقات المروية لامرئ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، وعنترة بن شداد، والحارث بن حلزة، وكلهم جاهليون إلا لبيدًا فإنه من المخضرمين؛ وإنما سميت المعلقات؛ لأن العرب اختارتها بين أشعارها فكتبوها بالذهب على الحرير، وقيل: بماء الذهب في القباطي "جمع قبطية - بالكسر والضم، وهي ثياب إلى الرقة والدقة والبياض، كانت تتخذ بمصر من الكتان" ثم علقوها على أركان الكعبة، وقيل: في أستارها، وزاد بعضهم أنهم كانوا يسجدون لها كما يسجدون لأصنامهم.

أما أن هذه القصائد من مختارات الشعر فأمر لا ندفعه؛ لأن العرب في الجاهلية، كان يقول الرجل منهم الشعر في أقصى الأرض، فلا يعبأ به حتى يأتي مكة فيعرضه على قريش، فإن استحسنوه روي وكان فخرًا لقائله، وإن لم يستحسنوه طرح وذهب فيما يذهب؛ قال أبو عمرو بن العلاء المتوفى سنة ١٥٤هـ "وقيل: ١٥٩هـ": وكانت العرب تجتمع في كل عام بمكة، وكانت تعرض أشعارها على هذا الحي من قريش.

وأما خبر الكتابة بالذهب أو بمائه والتعليق على الكعبة ففي روايته نظر، وعندي أنه من الأخبار الموضوعة التي خفي أصلها حتى وثق بها المتأخرون، وإنما استدرجهم إلى ذلك أن هذه القصائد تكاد تكون الصفحة المذهبة في ديوان الجاهلية، وأن العرب قوم لم يصح من أديانهم إلا دين الفصاحة وهو الذي دانوا به أجمعين، فلو أنهم فعلوا ذلك لكانوا قد أتوا بشيء غير نكير، وسنقص في أخبارهم وكتبهم أثر تلك الرواية ونورد ما رجح عندنا أنها موضوعة:

نقل ابن خلكان عن ابن جعفر النحاس المتوفى سنة ٣٣٧هـ "وقيل: ٣٣٨هـ" أن حمادًا الراوية هو الذي جمع السبع الطوال، وحماد هذا توفي سنة ١٥٥هـ، وفي "المزهر" أنه أول من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها، وقال البغدادي في "خزانة الأدب" "ص٦١ ج١" بعد أن ذكر أصحاب المعلقات: وقد طرح عبد الملك بن مروان شعر أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة، وعبد الملك توفي سنة ٨٦هـ, فبين وفاته ووفاة حماد ٦٩سنة، ثم قال البغدادي: وروي أن بعض أمراء بني أمية أمر من اختار له سبعة أشعار فسماها المعلقات، وفي رواية أخرى -في غير "الخزانة": فماسها المعلقات الثواني.

وقال ابن الكلبي المتوفى ٢٠٤هـ "وقيل: سنة ٢٠٦هـ": أول شعر علق في الجاهلية شعر امرئ القيس، علق على ركن من أركان الكعبة أيام الموسم حتى نظر إليه، ثم أحْدِرَ فعلقت الشعراء ذلك بعده، وكان ذلك فخرًا للعرب في الجاهلية، وعدوا من علق شعره سبعة نفر، إلا أن عبد الملك طرح شعر أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة.

وبمعارضة هذه الرواية بما ذكره أبو جعفر النحاس يتضح لك أن أبا جعفر لم يثق بها، فيكون

<<  <  ج: ص:  >  >>