[الباب السابع: أدب الأندلس إلى سقوطها ومصرع العربية فيها]
[الأدب الأندلسي]
هنا مشرع القلم ومصرعه، والمورد الذي يرويه ماؤه تظمئه أدمغه، فلو كان القلم سحابًا لاحترق من أسى البكاء بما فيه من البرق، ولو كانت الصحيفة صحيفة الشمس وهي تندب مجد المغرب لأظلم بها الشرق, أيام أدب مرت كنور النهار أصبح به حينًا وبات، بل كانت خفقات قلب الزمان عاش بها دهرًا ومات؛ فنضر الله سعدًا لا عيب له إلا أنه من الزمن وآخر الزمن شقي، ورحمه الله عهدًا لا نقص فيه إلا قول المؤرخ بعده: لو بقي!
الأدب وتأثره بالتاريخ السياسي:
لما قرأنا تاريخ الأندلس وأخذنا في درس أدبها واستخلاصه من جملة التاريخ، رأينا ما أذهلنا من إغفال المؤلفين في الأدب والعلوم وتراجم رجالها لهذا الفرع الفينان من الحضارة العربية، فإنك إن جهدت أن تتمثل صورة مجملة لآداب الأندلسيين، فكأنما تجهد أن ترجع إلى خيالك شبابًا أخلقت عهده، وكأنك خلقت بعده؛ فمهما تأت من ذلك لا تزيد على الذكرى التي يبلغ من ضعفها أن لا يكون فيها إلا بعض أنقاض التاريخ، وأنت تريد الأنقاض كلها، بل صورة البناء قبل أن ينقض.
لذلك رأينا أن نضع هذه الصفحة جديدة في تاريخ الأدب العربيح ولما شرعنا في ذلك رأينا أن لا بد من أن يأخذ الكلام في طريقه: فالأول في ظاهر الأدب وتأثره بالتاريخ السياسي، والثاني في حقيقته وتأثر التاريخ السياسي به؛ وهذا مما انفرد به الأدب الأندلسي؛ لأنه بدأ عربيا وانتهى أعجميا -كما سترى- ومن أجل ذلك قسمنا الكلام إلى قسمين.
القسم الأول: الأندلس من العراق
إن الأدب الأندلسي لا يبزه في التاريخ إلا الأدب العراقي، ولقد يكون في الأندلس ما ليس في العراق من بعض فروع الحضارة والصناعة، غير الفرق ما بين الموطنين في زينة الطبيعة ونضارة الإقليم، إلا أن الأدب العراقي ممتاز بمتانة اللغة، لقربه من البادية، ولاستفحال الرواية هناك، وبكونه أصلًا؛ حتى إن الأندلسيين أنفسهم كانوا يلقبون نابغيهم بأسماء المشارقة، فيقولون في الرصافي: إنه ابن رومي الأندلس، ومروان بن عبد الرحمن: ابن معتز الأندلس، وابن خفاجة: صنوبري الأندلس، وابن زيدون: بحتري الأندلس، وابن دراج: متنبي الأندلس، ومحمد بن سعيد الزجالي الأديب الحافظ: أصمعي الأندلس، لحفظه وذكائه؛ وأبي بكر الزبيدي الشاعر اللغوي: ابن دريد الأندلس؛ كما يقولون في الفيلسوف ابن باجه الشاعر الموسيقي: إنه فارابي المغرب١، وحمدة بنت زياد
١ هو أبو بكر بن الصائغ يعرف بابن باجه، وإليه تنسب الألحان المطربة التي كان عليها الاعتماد في الأندلس توفي سنة ٥٣٣هـ.