للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الموشح]

[اختراعه]

...

[الموشح]

ويقال له التوشيح أيضًا، والذي نراه في أصل هذه اللفظة أنها منقولة عن قولهم: ثوب موشح، وذلك لوشي يكون فيه، فكأن هذه الأسماط والأغصان التي يزينونه بها من الكلام في سبيل الوشي من الثوب، ثم صارت اللفظة بعد ذلك علمًا؛ إلا أن يكون الأندلسيون قد أخذوا هذه التسمية عن المشارقة، فتكون منقولة عن التوشيح الذي عده قدامة بن جعفر في نقد الشعر من أنواع ائتلاف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت، وجرى عليه أهل البديع، فيكون اشتقاقها من معنى الوشاح كما نصبوا عليه؛ لأنهم عرفوا هذا النوع بأن يكون معنى أول البيت دالا على قافيته، فينزل فيه هذا المعنى منزلة الوشاح، وينزل أول الكلام وآخره محل الوشاح من العاتق والكشح اللذين يجول عليهما.

[اختراعه]

قال ابن خلدون في أصل استحداث هذا الفن: "أما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفنونه وبلغ التنميق فيه الغاية، استحدث المتأخرون منهم فنا سموه بالموشح ينظمونه أسماطًا أسماطًا وأغصانًا أغصانًا.... واستظرفه الناس جملة، الخاصة والكافة؛ لسهولة تناوله وقرب طريقه، وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم من معافر الفربري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني، وأخذ ذلك عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب "العقد"، ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر وكسدت موشحاتهما، فكان أول من برع في هذا الشأن عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المرية..... إلخ".

وعبادة هذا توفي سنة ٤٢٢هـ، فالذي يفهم من كلام ابن خلدون أحد معنيين: إما أن يكون مقدم بن معافر شاعر الأمير عبد الله [في القرن الثالث] هو الذي سمى هذا النوع بالموشح حين اخترعه، فيكون قد بقي إلى زمن عبادة لم ينبغ فيه أحد، ويكون الأندلسيون في القرن الثالث "قد كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفنونه وبلغ التنميق فيه الغاية" وإما أن تكون هذه التسمية قد أحدثها المتأخرون من زمن عبادة، وزمنه أرقى عصور الشعر في الأندلس، وكلاهما خطأ، وذلك مما وهم فيه ابن خلدون؛ لأنه إنما ذهب كعادته إلى التعليل، فظن أن استحداث هذا الفن من فضل القوة وإتقان الصناعة، وذلك لا يكون إلا على ما وصف، ولكن الشعر لم يكن قد بلغ في الأندلس ذلك المبلغ في القرن الثالث كما سنفصله متى انتهينا إلى الكلام على الأدب الأندلسي، ولو كان كما زعم ابن خلدون لحفظوا اسم مقدم بن معافر، وإننا على طول ما عنينا من نصب البحث ومطاولة التعب في التنقيب، وقد قرأنا لتهيئة مواد هذا الكتاب حتى لم نغادر كتابا في الأدب والتاريخ بأنواعه لم نظفر بكلام عن مقدم هذا ولا تكشف لنا من تاريخه شيء. ومما يدل على فساد المعنى الثاني، أن ابن بسام -وهو أعلم بهذا من ابن خلدون وغيره من المتأخرين- ذكر في كتابه "الذخيرة" أنه نشأ بين مخترع الموشح وبين عبادة، يوسف بن هارون الرمادي، وهو الشاعر الأندلسي في القرن الرابع "توفي سنة ٤٠٣هـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>