[التاريخ الشعري]
ويسمونه التاريخ الحرفي أيضًا؛ لأن المرجع فيه إلى حساب الأحرف الأبجدية، ولا يعرف بالتعيين أول من استعمله في الشعر، وقد ذكر بعضهم أن كان مستعملًا في الجاهلية الأولى عند شعرائها، وهو وهم، ولكن أقدم ما وقفت عليه من ذلك قول بعضهم في تاريخه لسنة ٨٢٢هـ:
تاريخه خير بدا ... مع كمال العفة
ويريد بقوله: "مع كمال العفة" حرف التاء الذي هو تمام لفظ العفة، وحسابه في الجمل هاء، وهذا النوع يسمونه المذيل، وهو أن يكون جمله ناقصًا فيكمل بحرف أو أكثر مع التنبيه على ذلك، وهذا شبيه ببعض أنواع المعمى.
وأقدم من ذلك -ولكنه ليس على طريقة التاريخ، بل على طريقة الإشارة والرمز- قول ابن الشبيب من أهل القرن السادس في الإمام المستنجد بالله وهو الخليفة الثاني والثلاثون من خلفاء العباسيين:
أنت الإمام الذي يحكى بسيرته ... من ناب بعد رسول الله أو خلفا
أصبحت "لب" بني العباس كلهم ... إن عددت بحروف الجمّل الخُلفا
وجمل حروف "لب"٣٢؛ ولصلاح الدين الصفدي من أدباء القرن الثامن في قلم ممدوحه بدر الدين:
لصفات بدر الدين فضل شائع ... تصبو له الأفكار والأسماع
انظر إلى "القلم" الذي يحوي فقد ... صح الحساب بأنه "نفّاع"
وذلك أن جمل "القلم" ٢٠١ و"نفاع" كذلك، ومنتهى التنطع قول بعضهم وهو من هذا القبيل:
من كان "آدم" جملًا في سنه ... هجرته "حواء" السنين من الدمى
وهو يعني أن من كان عمره كجمل "آدم" أي: ٤٥ سنة، هجرته من كان عمرها كجمل "حواء" وهو ١٥.
وقد ذكر القرماني في تاريخه عند الكلام على فتح القسطنطينية سنة ٨٥٧هـ وأن السلطان محمدًا فاتحها حباه الله هذا الفتح لكونه أعلم الملوك أعدلهم وأحسنهم سيرة وأخلصهم نية وطوية, قال: وضمن بعضهم هذا المعنى في تاريخ الفتح فقال:
رام أمر الفتح قوم أولون ... حازه بالنصر قوم آخرون
[وقعت] لفظة "آخرون" تاريخ فتح المدينة، وقيل في تاريخها أيضًا "بلدة طيبة" ا. هـ.
وعندي أن هذا كان منشأ التاريخ في الشعر، وأن البيت الذي سبق ذكر تاريخه لسنة ٨٢٢هـ مصنوع للمثال لا غير، ويرجح ذلك أننا لم نجد كتابًا ذكرت فيه التواريخ الشعرية القديمة في الوفيات