هذه تسمية الحريري لهذا النوع، ويسميه غيره المقلوب، والمستوي؛ وهو ما يقرأ طردًا وعكسًا على وجه واحد، وقد ورد منه في القرآن الكريم {كُلٌّ فِي فَلَك}{وَرَبَّكَ فَكَبِّر} ولكن الحريري تصنع له في المقامة السادسة عشرة حتى أوصله إلى السمط السباعي، فجاء به معقدًا وأخرجه عن شرط الأدب إلى شرط الصنعة، وذلك قوله:"لذ بكل مؤمن إذا لم وملك بذل".
قال ابن حجة الحموي -وقد أورد هذه الكلمات ونفث في عقدها:"وذكروا أن العلامة القاضي فتح الدين بن الشهيد صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالشام المحروس وصل في تركيب هذا النوع إلى أكثر من هذه العدة، وأن المولى محمد بن البارزي الجهني صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك المحروسة الإسلامية وقف على ما نثره القاضي فتح الدين المشار إليه في هذا النوع قبل تيمورلنك وذكر أنه في غاية العقادة" وأبلغ ما جاء من هذا النوع في الشعر قول القاضي الأرجاني:
مودته تدوم لكل هول ... وهل كل مودته تدوم؟
ومن المستملح قول العماد الكاتب وقد مر على القاضي الفاضل راكبًا:"سر فلا كبا بك الفرس" فأجابه الفاضل على الفور وقد فطن لقصده: "دام علا العماد" وهي بديهة عجيبة إذ لم يكونا قد فكرا فيها قبل ذلك. وقد نظم الحريري في مقامته تلك أبياتًا خمسة يقول في أولها:
أسى أرملا إذا عرا ... وارع إذا المرء أسا
فغاية أهل هذه الصناعة بأنه "هرب إلى أبو القصير من العروض" ولذلك نظم الصفي أبياته التي أولها:
أنث ثناء ناضرًا لك إنه ... هنا كل أرض أن أنث ثناء
وكأن الشعر كله خلا إلا من بيت الأرجاني، فهو في هذه الصناعة الشعر كله.
وطبيعة اللغة قابلة لهذا النوع ولكن بمقدار، فإنك تجد في مفرداتها منه أشياء، كلفظ: باب وسلس وتحت، وأمثالها؛ ثم تراه يتألف غير مقصود إليه بمقدار أيضًا، كقولك: أرض خضرا، وهزم حمزة، ويلعب علي، وحمار رامح؛ وأمثال ذلك مما لا يكبر على العامة أن يجيئوا به، ولكن الفرق بينهم وبين الخاصة أنه في كرمهم صواب موجود غير مقصود، وفي أكثر ما يتكلف له الخاصة صواب مقصود غير موجود!