يبتدئ تاريخ النبوغ في التوشيح من القرن الخامس، ورأس أدبائه عبادة، وشاح المعتصم الذي أومأنا إليه من قبل، ثم جاء بعده ابن أرفع رأسه شاعر المأمون بن ذي النون صاحب طيطلة، وبعدهما الحلبة التي كانت في دولة الملثمين إلى القرن السادس، وسابق فرسانها التطيلي الأعمى "كذلك يذكره صاحب نفح الطيب، وقد ورد اسمه في مواضع، وفي مقدمة ابن خلدون: الطيطلي" ثم يحيى بن بقي، ومحمد بن أحمد الأنصاري المعروف بالأبيض، والحكيم أبو بكر بن باجه صاحب التلاحين المعروفة "وسيأتي بيان ذلك في الأدب الأندلسي"؛ ثم اشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين محمد بن أبي الفضل بن شرف، وأبو إسحاق الرويني؛ ثم كان حسنة هذه المائة السادسة الفيلسوف أبا بكر بن زهر المتوفى سنة ٥٩٥هـ، والوشاحون عيال على إحسانه فيما اتفق له من بدائع الموشحات التي شرقت وغربت؛ واشتهر بعده ابن حيون، والمهر بن الفرس، ثم نبغ ابن جرمون بمرسية، وأبو الحسن سهل بن مالك بغرناطة، وأبو بكر بن الصابوني، واشتهر بين أهل العدوة ابن خلف الجزائري، وابن هزر البجائي، ولكن الذي انفرد بشهرة هذه المائة إبراهيم بن سهل الإسرائيلي وشاح إشبيلية وشاعرها؛ وقد طبعت له قطع صغيرة في مصر على أنها ديوانه؛ ولكن الذي يقول في "نفح الطيب"إن ديوانه كبير مشهور بالمغرب حاز به قصب السبق في النظم والتواشيح، ومات ابن سهل غريقًا سنة ٦٤٩هـ؛ وظهر بعده أحمد المقريتي المعروف بالكساء، وهو شاعر وشاح زجال "ص٣٠٣ ج٢: نفح الطيب".
ثم كان نابغة المائة الثامنة في الأندلس لسان العربية ابن الخطيب، وله في التوشيح بدائع كثيرة، وكان من أبرع تلامذته في ذلك ابن زمرك وزير الغني بالله، ثم اشتهر بعده العربي العقيلي الوشاح، ثم ظهر في المائة التاسعة في النصف الأول أبو يحيى بن عاصم الذي يقول عنه الأندلسيون إنه ابن الخطيب الثاني؛ ثم استعجمت الأندلس وظهر في المغرب في أواخر القرن العاشر عبد العزيز بن محمد القشتالي وزير أبي العباس أحمد الشريف الحسيني، وسنذكره بعد؛ أما المشارقة قد تكلفوا التوشيح وبقي للأندلسيين فضل الطبع لم ينازعهم فيه إلا ابن سناء الملك المصري المتوفى سنة ٦٠٨هـ فقد طارت موشحاته خصوصًا موشحته التي اشتهرت شرقًا وغربًا وأولها: