لم يوضع في صناعة الموشح ووجه نظمه وأسماء أوزانه فيما نعلم، غير كتاب واحد وضعه صفي الدين الحلي الشاعر المتوفى سنة ٧٥٠هـ، وهذا الكتاب لم ينته إلينا إلا خبره، وسنذكر اسمه في كتب التوشيح، ثم إن هذه الصناعة لا ضابط لأوزانها إلا الألحان كما سلف، فهي موطأة للاختراع بمقدار ما تجرؤ عليه القرائح؛ ولذلك تعددت فيها الأوزان واختلفت طرق الصنعة. فلا سبيل إلى حصرها إلا بالتلقي واتصال السند عن أهلها، ولا ندري إن كانوا قد وضعوا لكل وزن اسمًا يعرف به أم كان اسم التوشيح عاما لجميعها فلا تخصص الأوزان إلا بأسماء ألحانها فقط كما هو الشأن في أدوار الغناء؛ وقد بحثنا في ذلك كثيرًا فلم نرجع بطائل، وكنا نظن أننا نصل إلى تسمية كل وزن وتعيين مخترعه، ولكنا لم نقف من ذلك إلا على النذر القليل الذي لا يعتد به في استنباط التاريخ، وقد رجح عندنا أنهم لم يسموا الموشحات بأسماء معينة كما فعلوا بالصناعات الشعرية، كالتخميس والتشطير وغيرهما، إلا ما دخل فيه الشعر من ذلك، كهذا النوع الذي اخترعه الصفي الحلي وسماه الموشح المضمن، ومثل له بتضمين الأبيات المنسوبة لأبي نواس، وقيل: إنها للحريري، ومطلع موشحه "ص٢٩٨: ديوان صفي الدين الحلي":
وهو الهوى، ما حلت يومًا عن الهوى ... ولكن نجمي في المحبة قد هوى
وما كنت أرجو وصل من قتلتي نوى ... وأضنى فؤادي بالقطيعة والنوى
ليس في الهوى عجب ... إن أصابني العطب
"حامل الهوى تعب ... يستفزه الطرب"
فالبيت الأخير "حامل الهوى ... إلخ" هو المضمن، وما قبله توطئة له من نظم الصفي؛ وكالموشح المجنح، ويسمونه أيضا الشعري؛ لأنه قصيدة على وزن وروي واحد من الشعر يفصل بين كل بيتين منها بيت من الموشح يناسب وزنه لحن القصيدة، ويشترط فيه أن تكون كل أبيات التوشيح مصرعة على قافية واحدة "انظر ص٢٩٩: ديوان الحلي".
وكما خلطوا بين أوزان الشعر وبين أوزان التوشيح، يخلطون بين وزن الدوبيت والزجل وبينه، وكل ذلك لأن التوشيح لا ضابط لوزنه إلا المناسبة كيفما اتفقت.
ومن الأوزان التي عينوا مخترعها، هذا الوزن الذي قال الصفي إن مخترعه السلطان المؤيد صاحب حماة المتوفى سنة ٧٣٢هـ "انظر ص٣٩١: ديوان صفي الدين الحلي".
وهو -كما ترى- يكد لسان الناطق، ولكنه إذا قطع ألحانًا وصححت تجزئته وأحكمت مخارج ألفاظه وجرى فيه الغناء كان طربًا عجيبًا، وعلى ذلك وضع؛ ومن أراد أن يقف على كثير من أوزان الموشحات فليقرأ ما ورد من ذلك في "نفح الطيب" و"فوات الوفيات" و"كتاب العذارى المائسات" و"سفينة" للشيخ شهاب الدين، وكلها مطبوعة؛ وكنا هممنا أن نحصي ما وقفنا عليه من ذلك، لولا إننا [رأينا] أن الفائدة لا تتم إلا إذا أثبتنا مطلع كل وزن ليتصفح القارئ وجوه الأنواع ويستثبت مواضع الاختلاف في أوزانها، وذلك يستغرق قطعة كبيرة من هذا الكتاب، ثم هو عمل تعليمي فليتتبعه من مست إليه حاجته.