ولكن أبلغ ما يثبت هذا المعنى، ما رووه من أن ثلاثة من بلغاء قريش الذين لا يعدل بهم في البلاغة أحد، وهم الوليد بن المغيرة، والأخنس بن قيس، وأبو جهل بن هشام، اجتمعوا ليلة يسمعون القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي به في بيته إلى أن أصبحوا، فلما انصرفوا جمعتهم الطريق فتلاوموا على ذلك وقالوا: إنه إذا رآكم سفهاؤكم تفعلون ذلك فعلوه واستمعوا إلى ما يقوله واستمالهم وآمنوا به، فلما كان في الليلة الثانية عادوا وأخذ كل منهم موضعه، فلما أصبحوا جمعتهم الطريق فاشتد نكيرهم وتعاهدوا وتحالفوا أن لا يعودوا، فلما تعالى النهار جاء الوليد بن المغيرة إلى الأخنس بن قيس، فقال: ما تقول فيما سمعت من محمد؟ فقال الأخنس: ماذا أقول: قال بنو عبد المطلب: فينا الحجابة، قلنا: نعم، قالوا: فينا السدانة، قلنا: نعم، قالوا: فينا السقاية، قلنا: نعم، يقولون فينا نبي ينزل عليه الوحي! والله لا آمنت به أبدًا! فما صدهم إلا العصبية كما ترى. وكما علمت في غير هذا الموضع، وقال الذين كفروا: لا تسمعون لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون، فهم إذا لم يسمعوه كان في ذلك رجاء أن يغلبوا، فتأمل معي "تغلبوا"!.