[ذوات القوافي]
هذا نوع من النظم يعطيك أنواعًا من البحور والقوافي كلما قلبته على جهة من جهات الاستخراج نظم عليها. والأصل فيه النوع البديعي الذي سموه التشريع وسماه ابن أبي الإصبع في كتابه بالتوأم؛ لأن شرطه عندهم أن يبني الشاعر بيته على وزنين من أوزان القريض وقافيتين. فإذا أسقط من أجزاء البيت جزءًا أو جزأين صار من وزن آخر غير وزنه الأول، وعلى هذا النوع بنى الحريري قصيدته في المقامة الثالثة والعشرين، وهي من ثاني الكامل، وأولها:
يا خاطب الدنيا الدنية إنها ... شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى أضحكت في يومها ... أبكت غدًا بعدًا لها من دار
وهي تنتقل بالأسقاط إلى ثامن الكامل فتصير:
يا خاطب الدنيا الدنيـ ... ـة إنها شرك الردى
دار متى ما أضحكت ... في بومها أبكت غدا
وقد تنبه الحريري إلى استخراج هذا النوع من قول بعض العرب:
وإذا الرياح مع العشي تناوحت ... هوج الرماح بكثبهن شمالا
ألفيتنا نفري الغبيط لضيفنا ... قبل القتال ونقتل الأبطالا
فإن هذا الشعر بعد الإسقاط يخرج منه:
وإذا الرياح مع العشي ... تناوحت هوج الرماح
ألفيتنا نفري الغبيط ... لضيفنا قبل القتال
فالحريري هو أول من قصد له، ثم وطئ عقبه فيه أصحاب البديع والمتكلفون لمثل ذلك، وقد وجدوا الرجز أوسع البحور فيه، فإنه يقع مستعملًا تاما، ومجزوءًا، ومشطورًا، ومنهوكًا. فيمكن أن يعمل للبيت منه أربع قواف، فإذا أسقطت ما بعد القافية الأولى بقي البيت منهوكًا، وإذا أسقطت ما بعد الثانية بقي مشطورًا، ويبقى إذا أسقطت ما بعد الثالثة مجزوءًا، ثم هو تام إذا كان على حاله من غير إسقاط، وعلى ذلك قول أبي عبد الله محمد بن جابر الضرير الأندلسي "صاحب البديعية".
يرنو بطرف فاتر مهما رنا ... فهو المنى لا أنتهي عن حبه
يهفو بغصن ناضر حلو الجنى ... يشفي الضنى لا صبر لي عن قربه
وهو أربعة أبيات، والأوجه الثلاثة التي تستخرج منها غير التام هي:
يرنوا بطرف فاتر ... مهما رنا فهو المنى
"وهو المجزوء"
ويرنو بطرف فاتر ... مهما رنا
"وهو المشطور"