ويرنو بطرف فاتر ... فهو المنى لا أنتهي عن حبه
"وهو المنهوك"
قالوا: ولكن القوة في ذلك والمكنة في ملكة الأديب أن يأتي بالتشريع في بيت واحد، والإعجاز فيه أن يخرج من البيت بيتان كقول ابن حجة الحموي في بديعيته موريًا بتسمية النوع:
طاب اللقا لذ تشريع الشعور لنا ... على النقا فنعمنا في ظلالهم
فإنه يستخرج منه:
طاب اللقا ... على النقا
وهو من منهوك الرجز، ويكون الباقي من البيت:
لذ تشريع الشعور لنا ... فنعمنا في ظلالهم
وهو من المديد، والبيت كله من البسيط، ثم تنبه المتأخرون حين بالغوا في الصناعات وفتقت لهم منها حيلة المنافسة إلى أن يجيئوا بأبيات أو قصيدة من هذا النوع الذي قلد فيه ابن حجة الشيخ عز الدين صاحب البديعية المشهورة، ويقصدوا في قوافيها المقصورة إلى نوع من الترتيب، وبذلك تخرج القطعة أو القصيدة وهي تقرأ طولًا وعرضًا وطردًا وعكسًا، ثم تقرأ بالشطرة الواحدة من القوافي الثلاث على وجوه كثيرة لا تحصر إذ لا فائدة في حصرها ... وأقدم ما وقفنا عليه من هذا النوع قطعة للشاعر الملقب بابن معتوق يمدح بها، وهي مثبتة في ديوانه "ص٥٦" وأولها:
فخر الورى حيدري عم نائله ... فجر الهدى ذو المعالي الباهرات علي
نجم السها فلكيات مراتبه ... بادي السنا نير يسمو على زحل
ليث الشرى قبس تهمي أنامله ... غيث الندى مورد أشهى من العسل
بدر البها أفق تبدو كواكبه ... شمس الدنا صبح ليل الحادث الجلل
وهكذا زواج في ترتيب القوافي كما ترى، وليس يخفى أن هذا التفكيك في أجزاء القصيدة هو علة تركب القصائد الكثيرة من القصيدة الواحدة، حتى إن بعضهم عمل قصيدة واشتغل بإحصاء الوجوه التي تنظر بها فبلغت في عينه مليون وجه، وذلك عالم من الأرقام في قفر من الكلام.
وهذا التجزيء في الشعر ليس حديثًا، بل يرجع عهده إلى عصر سلم الخاسر، فإنه أول من ابتدعه، وذلك أنه رأى أن أقصر ما خصه القدماء من الرجز ما كان على جزأين، كقول دريد بن الصمة:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
فعمل قصيدة على جزء واحد مدح بها موسى الهادي، وسمى الجوهري هذا النوع من النظم بالمقطع "ص١٢٣ ج١: العمدة" ومن قصيدة سلم:
مرسى المطر ... غيث بكر
ثم انهمر ... ألوى المرر
كم اعتسر ... ثم ايتسر