للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقدمة الطبقة الثالثة: للمؤلف]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله بما أنعم، سبحانه، على الإسلام وأهله.

وأما بعد: فهذه هي الطبعة الثالثة من نسخ كتابي هذا، تظهر اليوم وإن فينا مع فريق الطباعة فريق المعصية١، ومع أهل اليقين عصبة الشك، ومع طائفة الحقيقة دعاة الشبهة، ومع جماعة الهداية أفراد الضلالة؛ ويتخذون العلم دربة لإفساد الناس وتحليل عقدهم الوثيقة، وتوهين أخلاقهم الصالحة القوية، ويزعمون للعلم معنى إن يكن بعضه في العلم فأكثره في الجهل، وإن يكن له صواب فله خطأ يغمر صوابه، وإن كان فيه ما يرجع إلى عقول العلماء ففيه كذلك ما يرجع إلى عقولهم هم..... ناهيك بها عقولًا ضعيفة معتلة غلب عليها الكبد، وأفسدها التقليد، ونزع بها لؤم الطبع شر منزع، حتى استهلكها ما أوبقهم من فساد الخلق، وما يستهويهم من غوايات المدينة، فجاءونا في أسماء العلماء ولكن بأفعال أهل الجهل، وكانوا في العلم كالنبات الذي خبث: لا يخرج في الأرض الطيبة، إلا خبيثًا وإن كان زكا ونما وجرى عليه الماء وأنبثت فيه الشمس وانقلب ناضرًا يرف رفيفًا؛ لأن هذه العناصر إنما قوتها وطيبها لإخراج ما فيه كما هو نكدًا أو خبثًا.

وإنك لن تجد سيماهم إلا في أخلاقهم فتعرفهم بهذه الأخلاق فستنكرهم جميعًا، ولتعلمن عليهم كل سوء، ولترينهم حشو أجسامهم طينًا وحمأة، في زعم كذب يسمي لك الطيب طيبًا، والحمأة مسكًا، ولتجدن أحدهم وما في السفلة أسفل منه شهوات ونزعات وإنه مع ذلك ليزور لك ويلبس عليك فما فيه من لون عندك يعيبه إلا هو عنده تحت لون يزينه، ولا رذيلة تقبحه إلا هي في معنى فضيلة تجمله، فخذ منه الكذب في فلسفة المنفعة، والتسفل في شعاعة الغريزة، والوقاحة في زعم الحرية، والخطأ في علة الرأي والإلحاد في حجة العلم، وفساد الطبيعة في دعوى الرجوع إلى الطبيعة، وبالجملة خذ أفعالهم فسمها غير أسمائها وانحلها غير صفاتها واكذب بالألفاظ على المعاني وقل علماء ومصلحون وأنت تعني ما شئت إلا حقيقة العلم والإصلاح.

أيتها الحصاة، ما يسخر منك الساخر بأكثر من أن يجلوك على الناس في علبة جوهرة.

وأنت أيها القارئ فلا يغرنك منهم من يلبس العمامة يتسم بسمة الشرع، ثم ذهب أين يذهب وشعلة الجحيم العلمية تدور في رأسه تهفو من ههنا وهنا.

ومن تراه في ثياب المعلم يتلبس بالفشء كما يتلبس الداء بعضو حي: لا يدع أبدًا أن يغمز غمزة ويبتلي بما فيه من ضعفة وبلاء، فلا يصلح إلا على إفساد الحياة، ولا يقوى إلا على إضعاف القوي، ولا يعيش إلا على غذاء من الموت، كأن هذا المعلم -أخزاه الله- كان من قبل دودة في


١ يعني المؤلف من يعني ممن ذكر في كتابه "تحت راية القرآن" ويذكر القراء أن الطبعة الثالثة من هذا الكتاب ظهرت سنة ١٩٢٨ وإبان اشتداد المعركة بين الجديد والقديم. انظر كتابنا "حياة الرافعي".

<<  <  ج: ص:  >  >>