٢ أي: على فراشه، قال في "القاموس": وخص الأنف؛ لأنه أراد أن روحه تخرج من أنفه بتتابع نفسه. وقال في النهاية: كانوا يتخيلون أن روح المريض تخرج من أنفه فإن جرح خرجت من جراحته. قلنا: وكل ذلك تحتمله العبارة غير أن لها رأيًا آخر وهو أن موت الرجل على فراشه من غير حرب ولا قتال ولا أمر يؤرخ به الموت في الألسنة، مما كانوا يأنفون له، والحتف هو الهلاك، فكأن صاحب هذه الميتة إنما ماتت أنفته وكبرياؤه، فلم يرفع الموت أنفه في القوم، بل أذله وأرغمه، فكان به هلاكه؛ لأن حياته كانت في عزته، وعزته كانت في أنفه وأنفه هو الذي كبه الموت وإنما مجاز العبارة كما يقال في الكبر: ورم أنفه، وفي العزة حمى أنفه. وفي الدفاع عن الأم: غضب لمطلب أنفه، وكما يقال: غضبه على طرف الأنف، إذا كان سريع الغضب؛ وجعل أنفه في قفاه إذا ضل، ونحو ذلك مما يكثر في كلامهم، الذي يؤيد ما ذهبنا إليه في سياق العبارة نفسها، فقد وردت في قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات حتف أنفه في سبيل الله فهو شهيد" أي: فلا غضاضة عليه مما يكره. ٣ هذا المعنى مما انفرد العرب بعلمه، إذ لم يقع إلينا منه شيء يسمى تاريخًا ولو أن أوضاع اللغة كانت منسوبة في الدواوين والمعاجم لأدركنا من إعجاز القرآن ومن قدرة البلاغة النبوية مثل ما أدركه العرب أنفسهم، أو قريبًا من هذه المنزلة، فإن الذي نذهب إليه أن أكثر أوضاع القرآن مبتكر في البيان العربي، وأن العرب لم يرثوه في كلامهم، لكنا أضربنا عن الكلام في هذا الباب على سعته؛ لأن أدلته قد ماتت قبل ١٣٠٠ سنة من بكائنا عليها ... !