وضرب آخر من الوضع سنه الأدباء فيما يتكلفون له من الشعر والرسائل والخطب١، إذ عرضوا ذلك يطلبون فيه رأي النقادين وأهل البصر بالكلام، وأن يعرفوا موقع ما يأتون به من الاستحسان، ومبلغ تجرد الهوى في الحكم عليه. قال الجاحظ يزين هذه الطريقة: "فإن أردت أن تتكلف هذه الصناعة، وتنسب إلى هذا الأدب، فقرضت قصيدة أو حبرت خطبة أو ألفت رسالة، فإياك أن تدعوك ثقتك بنفسك، وعجبك بثمرة عقلك، إلى أن تنتحله وتدعيه، ولكن اعرضه على العلماء في عرض رسائل أو أشعار أو خطب، فإن رأيت الأسماع تصغي له، والعيون تحدج إليه، ورأيت من يطلبه ويستحسنه فيخرج عندهم مخرج المتروك وينتفي منه قائله ولا ينفيه، فعسى أن يكون فيمن سمعه من يحفظه مدخولًا، أو يرويه منحولًا، ويجريه مع سائر القصيدة أو الخطبة أو الرسالة -إن كان في شيء من ذلك- على أنه بعضه، أو يحفظ نسبته إن كان في كلام متفرق، ويكون ذلك سبب وضعه، ثم يمر في الأفواه فتصقله، ويلقيه الزمن بعد ذلك لمن ينقله؛ ولا شك عندنا أن مثل هذا في تاريخ الوضع قول ومذهب.