للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[امرؤ القيس]

[مدخل]

...

[امرؤ القيس]

هو حندج بن حجر، الحندج الرملة الطيبة تنبت نباتًا حسنًا، وليس في العرب حجر -بضم الحاء- غير هذا؛ ومعنى امرئ القيس: رجل الشدة، والمسمون بهذا الاسم في العرب جماعة ذكر منهم السيوطي ستة عشر في كتابه "المزهر"؛ ومؤرخو الروم يذكرونه في كتبهم باسم قيس.

يكنى أبا الحارث؛ وأبا وهب، ويلقب بالملك الضليل؛ وذي القروح، كان أبوه وأعمامه ملوكًا على قبائل من العرب، وكانت لأبيه على بني أسد إتاوة في كل سنة؛ فغبروا على ذلك دهرًا؛ ثم إنه بعث إليهم جابيه الذي كان يجبيهم فمنعوه ذلك؛ وحجر يومئذ بتهامة؛ وضربوا رسله وضرجوهم ضرجًا شديدًا قبيحًا؛ فسار إليهم وأخذ سراتهم فجعل يقتلهم بالعصا؛ فسموا عبيد العصا؛ وآلى أن لا يساكنهم في بلد أبدًا؛ وحبس منهم عمرو بن مسعود؛ وكان سيدًا؛ وعبيد بن الأبرص الشاعر؛ ثم إن عبيدًا استعطفه بأبيات منها:

برمت بنو أسد كما ... برمت ببيضتها الحمامه

جعلت لها عودين من ... نشم وآخر من ثمامه

إما تركت تركت عفوًا ... أو قتلت فلا ملامه

أنت المليك عليهم ... وهم العبيد إلى القيامه

فرق لهم حجر وبعث في أثرهم؛ فأقبلوا؛ حتى إذا كانوا على مسيرة يوم من تهامة، تكهن كاهنهم وهو عوف بن ربيعة يحضهم على قتله، فركبوا كل صعب وذلول، فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عسكر حجر، فهجموا على قبته وخيم عليه حجابه ليمنعوه ويجيروه، فأقبل عليهم علباء بن الحارث الكاهلي، وكان حجر قد قتل أباه، فطعنه من خللهم، فأصاب نساه فقتله، وقيل غير ذلك، وأنهم أخذوه أسيرًا في حرب بينهم وبينه، فوثب عليه ابن أخت علباء فطعنه ولم يجهز عليه، فأوصى ودفع كتابه إلى رجل وأمره أن ينطلق إلى أولاده ويستقرئهم واحدًا واحدًا حتى يأتي امرأ القيس، وكان أصغرهم، فأيهم لم يجزع دفع إليه سلاحه وخيله ووصيته، وكان بين فيها من قتله وكيف كان خبره، فانطلق الرجل بوصيته إلى نافع ابنه، فأخذ التراب فوضعه على رأسه، ثم استقرأهم واحدًا واحدًا، فكلهم فعل ذلك، حتى أتى امرأ القيس فوجده مع ندين له يشرب الخمر ويلاعبه بالنرد، فقال له: قتل حجر! فلم يلتفت إلى قوله وأمسك نديمه، فقال له امرؤ القيس: اضرب، فضرب، حتى إذا فرغ قال: ما كنت لأفسد عليك دستك! ثم سأل الرسول عن أمر أبيه كله، فأخبره، فقال: "الخمر علي والنساء

حرام حتى أقتل من بني أسد مائة وأجز نواصي مائة"!

وفي خبر آخر أن حجرًا كان طرد امرأ القيس وآلى أن لا يقيم معه، أنفة من قوله الشعر، وكانت الملوك تأنف من ذلك، فكان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذاذ العرب من طيئ وكلب وبكر بن وائل فإذا صادف غديرًا أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح لمن معه في كل يوم وخرج إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>