للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباب الثامن *: التأليف وتاريخه عند العرب ونوادر الكتب العربية

[كتب الشعر]

من هذه الكتب ما يخصون فيه الكلام بالشعر نفسه، فيبينون عن وجه المعنى ويكشفون عن طريقة الصنعة؛ ككتاب "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر الكاتب المتوفى سنة ٣٣٧هـ، وكتاب "العمدة" لابن رشيق القيرواني، المتوفى سنة ٤٦٣هـ، وهو أحسن ما وضع في صناعة الشعر ونقده وعيوبه؛ وقد ذكر صاحب "نفح الطيب" أن للأعلم الشنتمري المتوفى سنة ٥٤٩هـ كتابًا في مختصر العمدة والتنبيه على أغلاطه "ص٤٣٥ ج١: نفح الطيب".

ومن هذا القبيل كتب البلاغة: كـ"الصناعتين" للعسكري وما كان قبله وما وضع من بعده -كما سنذكره عند الكلام على البديع- ومن كتب الشعر ما هو مخصوص بالطبقات والتراجم، ومنها كتب المختارات والدواوين.

الطبقات والتراجم:

وهذه هي الكتب التي يخبرون فيها عن الشعراء وأزمانهم وأقدارهم وأحوالهم في أشعارهم وقبائلهم وأسماء آبائهم ومن كان يعرف باللقب أو الكنية منهم، ويذكرون فيها ما يستحسن من أخبار الشاعر وما يستجاد من شعره، وما [أخذ عليه] من الغلط والخطأ [في ألفاظه] وما سبق إليه المتقدمون فأخذه عنهم المتأخرون.

وعلى أن هذه هي أركان النقد فهم لا يفيضون فيها ولا يبسطون الكلام عنها، وقليلًا ما يؤمنون إلى المهم منها وخصوصًا المتأخرين؛ لأنهم لا يريدون إلا جهة التاريخ فلا ينظرون إلى الموازنة والترجيح؛ لأن هذا تاريخ عملي لا يكون إلا بين النظراء من طبقة واحدة في العصر، أو استقراء الإجادة الغالبة على شعرهم، وهم إنما يريدون مجموع العصور المختلفة، وكل ما جاء من أقوالهم وكتبهم في الموازنة والتنظير لم يعد أفرادًا معدودين، هم جرير والفرزدق وبشار ومروان بن أبي حفصة ومسلم بن الوليد وأبو نواس وأبو تمام والبحتري ثم المتنبي.

ومما ننبه عليه أن الرواة لم يكونوا يتكلمون في الشعراء إلا بعد موتهم، اتقاء لمعرة اللسان والوقوع فيه؛ وقد جهدوا بأبي عبيدة أن يفضل بين مسلم والنواسي فكان يقول: أنا لا أحكم بين الأحياء. وهذا الأخفش قد طعن على بشار في كلمة [لم يسمع وزنها] عن العرب، فهجاه [بشار] حتى استوهبوا منه عرضه، فكان الأخفش بعد ذلك يحتج بشعره في كتبه ليبلغه "ص٥٤ ج٣: الأغاني"، وكذلك فعل بسيبويه حتى توقاه واستكف شره.

ولم يدون من ذلك شيء مقصود بالتأليف إلا كتاب "الموازنة بين الطائيين" للآمدى المتوفى سنة ٦٠٨هـ، وما كتب عن المتنبي كـ"الرسالة الحاتمية" للحاتمي، وذكر مقدمتها ابن خلكان في تاريخه؛ ورسالة الصاحب بن عباد في إظهار مساوئ المتنبي، وقد عمل بعدها القاضي أبو الحسن علي بن عبد


* قلت: كنت أحسب هذا الفصل والذي يليه بعض الباب العاشر من الكتاب، "موضوعه التأليف، وتاريخه عند العرب، ونوادر الكتب العربية".
وعلى هذا الظن تأخرت بنشر هذين الفصلين إلى هذا الموضع، ثم بدا لي من بعد أن المؤلف لم يستوف البحث في شيء من موضوعات هذا الباب، وأنه أعد هذين الفصلين ليكونا تمامًا لباب الشعر، تنبهت لذلك من عبارة وردت في بعض حديثه عن "كتب الشعر"، ولم أستطع أن أتدارك ما فات بنشر هذين الفصلين في موضعهما حيث أراد، فرأيت إثباتهما هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>