للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعشرون سنة في تغيير الأفكار وتبديل الألسنة؟ ولذلك لم يكد شارل يمضي لسبيله حتى انقطع ذلك العمل، غير أن بث حياة وخصبًا في تلك الأرض الميتة فلم يمض عمر كهل حتى كان في إسبانيا من يجيدون العربية، أمثال القصير وكامبومان والأب بلانكري وغيرهم من الأساتذة المعدودين، ثم انقطع حبل العربية إلى أن اتصل بالمدارس القديمة منتكثًا على عهد إيزابيلا الثانية. فكان على ضعفه ذلك حتى سنة ١٨٤٥م، إذ شرعوا في إصلاح التعليم على يد المسيو جيل دي زارات، وبإخلاص هذا الرجل عادت العربية تدرس في الكليات درسًا مقررًا.

ثم تسلمت الحكومة الإسبانية سنة ١٨٥٧م زمام التعليم وتولت إصلاحه فزهت العربية وكثر طلبتها والمقبلون عليها، خصوصًا بعد أن فقدت إسبانيا مستعمراتها في أمريكا وآسيا وعلقت آمالها بمراكش في عصرنا هذا، فنبغ فيها المستشرقون واحتفظوا بما خلفه التاريخ من كتب العرب، ولا يزال ذلك في مكتبة الأسكوريال، ومكتبة الأمة، ومكتبة المجمع العلمي التاريخي، غير المكاتب الخاصة التي جمعها أهل العلم منهم، وقد برز من متأخريهم أفراد مشهورون في فرع اللغة العربية، وامتاز بعضهم بالبراعة في قراءة الخطوط وتاريخها، ونبغوا كذلك في درس الحضارة الإسلامية والنظر في أصول الآداب العربية، واعتنت فئة منهم بدرس اللغات العامية التي تفرعت من العربية الفصحى، وهم بعد في حد التزايد إلى يومنا هذا، وقد صار كثير من البلاد الإسبانية كمجريط الإسبانية "العاصمة" وغرناطة وبرشلونة وبلنسية وغيرها زاهيًا [فيهم] بهذه الآداب، مذكرًا لهم بالمجد العربي القديم, وإنما يتذكر أولو الألباب*!


* قلت: قرأت بخط المؤلف العبارة اللآتية ولم أعرف أين موضعها من هذا الفصل، فرأيت إثباتها في هذا المكان، وهي:
"ولكن ذهبت آثارهم فلا تعرف أقدارهم، وخلت سماؤهم ولم تبق إلا أسماؤهم؛ ومن الأدباء من ينكر مزية الشعر الأندلسي؛ لأنه لا يرى إلا أسماء لا آثار لها ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>