يراد بهذا النوع من المنظوم أن تكون القصيدة بجملتها خالية من أحد حروف الهجاء، فحيث التمسته كنت كطالب ما لا يوجد، أو كملتمس حرف أجنبي في الحروف العربية.
والأصل في هذا على ما أعلم ما يروى من خبر واصل بن عطاء المتوفى سنة ١٨١هـ قال الجاحظ: إنه لما علم أنه ألثغ فاحش اللثغ، وأن مخرج ذلك منه شنيع، وأنه كان داعية مقالة ورئيس نحلة، وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل، وأنه لا بد له من مقارعة الأبطال ومن الخطب الطوال، وأن البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة، وإلى ترتيب ورياضة، وإلى تمام الآلة وإحكام الصنعة، وإلى سهولة المخرج وجهارة المنطق وتكميل الحروف وإقامة الوزن؛ وأن حاجة المنطق إلى الطلاوة والحلاوة كحاجته إلى الجلالة والفخامة، وأن ذلك من أكبر ما تستمال به القلوب وتنثني إليه الأعناق وتزين به المعاني، وعلم واصل أنه ليس معه ما ينوب عن البيان التام واللسان المتمكن والقوة المتصرفة..... رام أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه وإخراجها من حروف منطقه، فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه، ويناضله ويساجله، ويتأتى لسره والراحة من هجنته، حتى انتظم له ما حاول، واتسق له ما آمل، حتى صار لغرابته مثلًا، ولظرافته معلمًا. قال: ولولا استفاضة هذا الخبر وظهور هذه الحال، لما استجزنا الإقرار به والتأكيد له.... إلى آخر ما يتعلق بخبر واصل مما ليس هذا موضعه.
وكان هذا الأمر مقصورًا على المنثور ولا يتعدى مع ذلك ما ينسب إلى أبي حذيفة، حتى جاء الصاحب بن عباد المتوفى سنة ٣٣٥هـ فجعله في المنظوم. قال الثعالبي في ترجمة أبي الحسين علي بن الحسين الحسني الهمذاني: وكان الصاحب صاهره بكريمته التي هي واحدته.... ولما قال الصاحب قصيدته المعراة من الألف التي هي أكثر الحروف دخولًا في المنظوم والمنثور، وأولها:
قد ظل يجرح صدري ... من ليس يعدوه فكري
وهي في مدح أهل البيت "لأن الصاحب كان علويا" تبلغ سبعين بيتًا، تعجب الناس منها وتداولتها الرواة:
فسارت مسير الشمس في كل بلدة ... وهبت هبوب الريح في البر والبحر
فاستمر الصاحب على تلك المطية، وعمل قصائد كل واحدة خالية من حرف من حروف الهجاء، وبقيت عليه واحدة تكون معراة من الواو، فانبرى أبو الحسين لعملها، وقال قصيدة فريدة ليس فيها واو، مدح الصاحب في عرضها، وأولها: